بسمة السيوفي

الاختلاف مع المختلف

الاثنين - 06 فبراير 2023

Mon - 06 Feb 2023

ناموس الدنيا يقضي بالاختلاف، حتى لو لم تكن هناك قضية.

حتى الأرواح تتشابه وتختلف وهي نفحة ربانية من الذي لا يتغير ولا يختلف.

هناك حكمة في التضاد، أن يوجد حزب محافظ وحزب معارض، حزب اليمين وحزب اليسار، «وتفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة...» لو نظرنا إلى راحة أيدينا لتذكرنا أن الأصابع العشرة ليست سواء، فنحن نختلف عن غيرنا في كل شيء: بصمة العين، بصمة الأصابع، حتى البصمة الجينية.

يسمي اليهود باقي البشر بالأغيار ظنا منهم أنهم شعب الله المختار على الأرض، ونحن نتعامل بمبدأ أسنان المشط والجسد الواحد والغنم القاصية.

الغيرية ألا تظن أنك أفضل جنس أو عرق أو فئة أو أنك مميز لدرجة تمنحك الفوقية والغرور، أو أنك من الفرقة الناجية.

هناك ببساطة أناسٌ غيرك يختلفون عنك ربما يكملّون نقصك، أو يفتحون عينيك على نضج مغمور يحتاج إلى من يصقله.

الاختلاف يعني أن تكون أكثر وعيا.. تتقبل التجديد وتدرك أن التغيير ديدن مشوار الحياة.

المعضلة الكبرى أنه عندما تكون مختلفا وفي نفس الوقت غير قادر على التعبير أو تبادل الأفكار مع الآخرين، فإن المرء يسقط في عزلة، ربما تكون اختيارية، وهي أقسى أنواع العزلة على الإطلاق.

يعلمنا الاختلاف أن نكون ثابتين في أمور الثوابت مطواعين في المتشابه من الاختلافات.

ويقسو علينا الزمن عندما نقطع الأواصر بسبب الإصرار على الرأي وعدم التفكير من منظور الصوت الأخرس، فكم من مواضيع ومواقف غيرت فيها رأيي أنا شخصيا؛ لأني ببساطة مارست الاستماع. مقادير الوصفة سأعطيها لكن بشرط: أن تعدوا إلى العشرة قبل الرد على أي من كلامي. كانت أمي - رحمها الله - توصيني بذاك التريث قبل رد الفعل وكنت أحسبه تخاذلا وانسحابا وهو في عرف التواصل عظيم. وامتثلت لكلامها فكنت أغمض عيني وأعد إلى عشرة ليخرج الكلام مقصودا مستهدفا الذي أريد، وقد كبرت من التجارب ليكبر الرقم معي إلى عشرين أصبعا معدودة في زمن العلاقات والردود العشوائية، وتضخم الذات وتقزيم الآخر.

أول الشروط للاحتفاظ بعقل متفتح وتنمية التواصل هو الإنصات المهذب، ثم الإمساك بدفة الحوار بالتركيز على المتشابه، ولا بد من تحديد دقائق متساوية لدور كل متحدث في الكلام، بعدها إعادة صياغة الفكرة المطروحة للمتحدث تجنبا لسوء الفهم، ومن ثم تحديد نقاط الخلاف وعرضها بموضوعية قبل نهاية الحوار.

فلا تلغ متابعة المختلف ولا تحقرن من تحدى رأيك، الخلل في ذات التفكير بأن الاختلاف ضد صارخ، وأن الكل تبع ومريد وحشد وزمرة؛ فليس كل مختلف ضد لكن كل ضد مختلف.

ذاك المختلف هو كنزك المدفون، هو الفرصة الثمينة للنمو، هو منحتك المجانية للنضج، والتأكيد المتكرر بأن العالم لا يتوقف عند رأي واحد، وأن الثابت والعيب والحرام لا خلاف فيه، بينما الجدال من أجل الخلاف هو مارد ينتظر الخروج من الزجاجة.

فاختلفوا بنضج.. فالاختلاف في العطر كما يقولون لا يفسد للورد قضية.

smileofswords@