الموظف بين التهميش وعدم التقدير!!

هل الرجل المناسب في المكان المناسب؟ أعتقد أننا نعيش أزمة قيادات أو مدراء لا يستطيعون أن يقدروا ظروف الموظف الاجتماعية والنفسية والتعامل معها، كما أن المنشأة أو الإدارة (صغرت أو كبرت) تحتاج إلى قائد كفء لديه الخبرة الكافية والقدرة العلمية والمهارية لإدارة أعمالها وخططها ومهامها المنوطة بها، والأهم من ذلك ويشكل فارقا كبيرا في جودة بيئة العمل هو كيفية إدارة الزملاء الموظفين في هذه المنشأة وفق فروقاتهم الفردية من خلال معرفة ظروفهم وشخصياتهم وأوضاعهم النفسية، وأن يكون ذلك في إطار مهني وإنساني بهدف الاستثمار الأمثل لخبراتهم وقدارتهم بما يعود بالنفع على المنشأة وجودة الأداء لأعمالها.

أثبتت كل الدراسات العلمية على تأثير العمل على الصحة النفسية للموظفين، مما يسهم في حالة التأثير السلبي على ظهور عدد من الاضطرابات النفسية التي تؤدي إلى إرهاق الموظفين على المدى الطويل، وتؤثر بشكل كبير على قدراتهم في المساهمة بشكل هادف في حياتهم الشخصية والمهنية وبالتالي جودة العمل، وهي سبب رئيس لترك الموظفين أعمالهم؛ حيث يرتبط أكثير من 54% من مشكلات العمل بالأمراض النفسية، أو الغياب المتكرر وخفض معنوياتهم في الحالات الأقل شدة، وهذا بلا شك يوثر بشكل سلبي وكبير جدا على الإنتاجية والأرباح، فضلا عن زيادة تكاليف التعامل مع هذه المشكلات، ويعد التوتر المرتبط بالعمل السبب الرئيس لأمراض الصحة المهنية وضعف جودة الأداء وزيادة نسبة الأخطاء البشرية.

الإساءة لا تقتصر على اللفظ أو الجسد، بل يمكن أن تأتي الإساءة من خلال طرق غير مباشرة تتمثل في تهميش الموظف والتقليل من عمله، أو عدم إعطائه مساحته الكافية لتقديم الأفضل، واعتباره كأنه غير موجود أو كأن مهاراته ومواهبه غير مرحب بها أو لا قيمة لها عن مقولة «لا يكثر»، وكل ذلك التهميش المتواصل يولد تراكمات وضغوطات نفسية للموظف المتميز في أصله وشعوره بعدم الراحة والانتماء إلى بيئة العمل؛ فيضطر إلى الاستغناء عن الوظيفة التي يتقنها أو يطلب نقله إلى إدارة أو منشأة أخرى، أو يلجأ إلى العطل المرضية المتكررة وفي أفضل الحالات إلى رصيد الإجازات التي من المفترض أن تكون للراحة وتغير روتين العمل والاستجمام.

وعليه فإن التهميش الوظيفي هو ظاهرة تعكس إساءة استخدام السلطة، والأمانة المهنية، وهدر المال العام والكفاءات الإدارية عبر ممارسة الضغوط النفسية والإدارية على المرؤوسين، أو من خلال دعم وترقية وتقريب الأشخاص الذين لا يستحقون ومنحهم المكافآت والمحفزات والدورات التدريبية مما يعد ذلك بمثابة إهانة وتقليل من الآخرين الذين يكدون في عملهم، عدم تقدير العمل الجيد والاهتمام به بالشكل الكافي؛ فالكثير من الرؤساء تصعب عليه كلمة «شكرا» - وهم لا يعلمون ما مقدار الشحنة المعنوية الإيجابية لها - مما يزيد من الواقع السلبي ويشعرون أنهم معاقبون على عملهم الجيد.

الأسباب كثيرة في أفضلها حسنا للنية هي عدم مهنية وكفاءة المدير أو الرئيس وضعف خبراته ومهارته في التعامل مع الموظفين أو الخوف أن تذبل شخصيته و»تطيح الميانة» وقد يكون ذلك كما نسمع كثيرا أن هذا الموظف كفء ومتميز وقد يتعدى ذلك كفاءة المدير الأعلى منه أو مسؤوله المباشر عنه، وهنا يتولد الخوف من أن يتسلط الضوء عليه ويسحب البساط عنه، ويحصل الموظف على منصب الإدارة بسبب إنجازاته التي يحققها، وهنا تأتي المقولة الشهيرة «أتغدى فيه قبل ما يتعشى فيني» وهنا يكون الفساد الإداري سيد الموقف بالتهميش والتجميد والإقصاء وقد يصل إلى تفويت الترقيات أو المناصب المستحقة وقبل ذلك كله تجاهله في المكافآت والمحفزات والدورات التدريبية التطويرية.

هي إضاءة على هذا الفئة من الموظفين لكن الظروف والأقدار لم تساعدهم على أن يكونوا تحت الضوء أو في مناصب أعلى، وأعتقد أصبح من الضرورة وجود مرشد نفسي ومهني مقيم في هذه المنشأة وبصلاحيات متقدمة يكون مسؤولا عن دراسة أوضاع الموظفين وظروفهم، جودة بيئة العمل، خلو بيئة العمل من سلوكيات التنمر، سلامة القرارات الوظيفية المطبقة على هذا الموظف وفق النظام، والأهم من ذلك التأكيد على حقوق الموظف فيما كفل له النظام.

الكلام يطول هنا ولكن هناك أسئلة كثيرة والموضوع يحتاج إلى دراسة تحليلية علمية للواقع، والسؤال هنا هل بعض بيئات العمل غير محفزة لجذب مدراء أو قيادات جيدة وبالتالي هذا هو المتوفر؟ هل فعلا لا يوجد هناك في بعض بيئات العمل حوافز ومكافآت مالية أو هي فقط للقيادات العليا والمحطين بهم؟ هل كل الموظفين عندهم الوعي الكافي بحقوقهم وواجباتهم أم هي فجوة سانحة لبعض المدراء لاستغلالها عند الجهل بها؟ هل يوجد وسائل اتصال مباشرة مع إدارات الموارد البشرية تعطي الجواب الواضح والشفاف والنظامي لاستفسارات الموظفين بحقوقهم؟ هل إدارات الموارد البشرية خرجت فعلا عن عباءة شؤون الموظفين وانتقلت للمفهوم الأوسع والشامل أم هي تغير أسماء فقط؟

3OMRAL3MRI@