على درب السيدة زبيدة.. درجنا
الأحد - 05 فبراير 2023
Sun - 05 Feb 2023
سلمت وزارة الثقافة ملف درب زبيدة إلى اليونسكو لتدخل في القائمة المؤقتة لقائمة التراث العالمي منذ عام 2015 تحت رقم 6025 وتنتظر على أحر من الجمر إدراجه في قائمتها لينضم الدرب إلى المواقع التاريخية السعودية الأخرى كمدائن صالح، الحجر، طريف، الدرعية، جدة البلد، الرسوم الصخرية في حائل، واحة الأحساء، منطقة حمى الثقافية بنجران، فضلا عن قائمة التراث الثقافي الطويلة من المجلس إلى القهوة العربية، إلى العرضة النجدية، إلى المزمار، الصقارة، القط العسيري، نخيل التمر، حرفة السدو، الخط العربي، حداء الإبل، والبن الخولاني.
ودرب زبيدة ليس مجرد بضعة آبار وبرك ما زالت محتفظة بقوامها منذ ألف ومائة عام، وإنما هو طريق للحاج والحاجة سار عليه مئات الألوف من البشر عبر التاريخ بكل تضاريسهم الثقافية والإثنية والعلمية والنوعية والعمرية، تحمل أجسادهم بآمالها وأتراحها وآلامها التي يريدون التخفف منها عند الوصول إلى باب الحرم وإلقائها وراء ظهورهم وهم يعودون كما ولدتهم أمهاتهم. كان فيهم الناسك والتاجر، العالم والشاعر، الرحال والمؤرخ، الفقيه والمحدث. كل له هدفه وله إسهامه. كان طريقا ينبض بالحياة، والحركة، والذهاب، والإياب.
كان شرف لنا أن نسير اليوم على نفس هذا الدرب، أو جزء منه، نتبادل مع الأولين شيئا من مشاعرهم وتجاربهم ونتلمس أنفاسهم. نقلب الأبصار في عين ما وقعت عليه أبصارهم. نسير على نفس الحصى أو شبيهه. أي مشاعر يمكن أن تنتقل فيما بيننا وبين كل من درجوا على الدرب؟ لا يمكن إحصاؤها أو إدراكها.
العام التالي، يناير 2022 كان موعدي مع الدرب بتجربة أخرى.. قطعت خلاله 360 كم على الدراجة الهوائية في ثلاثة عشر يوما مع جزء من فريقي، دراجات الشروق، وفريق دراجي حائل، وبعض أعضاء من أماكن أخرى كالخرج والمدينة. كانت الاستعدادات الفنية عصية عليّ بعض الشيء، حيث كان ينبغي أن أستخدم دراجة جبلية من نوع خاص، تعالج عند مختص باستبدال الهواء في العجلات بالسيليكون تدعى تيوبلس tubeless حتى تتحمل التعامل مع الأرض سواء كانت صخرية أو حجرية أو شوكية دون أن تصاب في مقتل. كان هذا المختص في حائل وأنا في الرياض والوقت الذي وصلت فيه إلى القرار ضيق، فما كان إلا أن نستخدم الإرسالات المحلية واستكشاف مواقعها وإيصال عجلاتي إلى الناقل في جنوب الرياض، لتصل إلى الخبير الحائلي أبو عزام ثم أجد أني أرسلت العجلات ناقصة من بقية جسم الدراجة. فكان الموعد مع تكرار الإجراء والتكاليف بالطبع حتى تصل بسلام إلى بر حائل.
وصلت بالقطار لأجد نفسي مع عدد ممن سيزاملنني تجربة الدرب، وبعدها بقليل التقينا بالمجموعة الأكبر وبعد ذلك أصبحت وجها إلى وجه مع دراجتي في حلتها الجديدة وقد تضخمت كفراتها حتى أصبح من الصعوبة تحريك بعض مغيرات السرعة. كانت انطلاقتنا بالحافلات من فيد إلى العرائش، شمال حائل لنبدأ تشكيلنا وتجمعنا للانطلاقة الفعلية. كان يرافقنا في هذه الاحتفالية المتحركة من الحافلات والشاحنات والسيارات، كوكبة من حوالي مائة دراج على دراجات نارية ضمن فريق «المتحدون» الذين شاركونا الليلة الأولى في المخيم.
وكان صباح الانطلاق مع نائب أمير حائل الأمير الشاب فيصل بن فهد بن مقرن بن عبدالعزيز الذي كرر كما العام الماضي، مشيه معنا على الأقدام لمسافة عشرة كيلومترات، ولحقناهم على الدراجات الهوائية والدراجات النارية حتى وصلوا حدود الصحراء وعادوا أدراجهم، الأمير بالهليكوبتر والمتحدون بدراجاتهم بينما أكملنا خمسة وعشرين كلم أخرى قبل الوصول إلى مخيم الليلة الثانية.
اصطففنا دراجات ودراجو درب زبيدة في خط جميل بلغ عدة أمتار يضم عشرة دراجين ودراجات بخوذاتنا وستراتنا الصفراء (هذا العام تم توحيد الألوان). كنا اثنتين من فريقنا وواحدة انضمت إلينا لاحقا، أما زميلتنا الرابعة في الفريق فقد فضلت تجربة الركائب «الجمال» هذا العام.
ثم بدأ الحماس يسري وأنا أجرب دراجتي في عدتها الجديدة. كان استكشاف الطريق من فوق الدراجة ذو طعم مختلف.. طبعا الوتيرة أسرع من مشي العام السابق، لكن التوحد مع الذات ما فتئ يتكرر، فكل شخص وسرعته وسرعتها، أجد نفسي وحدها وأجدها مع المجموعة. كنت محظوظة بفريق الدراجين الذي كنت عضوة فيه. تميز أفراده فردا فردا بالسماحة وخفة الروح والالتزام بالرياضة وبالنظام وبالبيئة وحب الاستمتاع بالطبيعة وأيضا بالقهوة.
نظرا لتقدمنا عن بقية الركب بدراجاتنا، فكنا نبتهل استراحات أكثر من الاستراحة الرئيسة في منتصف الطريق، فكنا نتخير موقعا جميلا مطلا أو ذا ظل، وبالدور وحسب التخصص هناك من يعد لنا قهوة مختصة، سواء مقطرة أو تركية أو عربية وندعو عليها رفاق الرحلة من المارين وسط أهازيج لم تنفك تتوقف وقد برع أفراد المجموعة فيها بقيادة كابتن الفريق عادل الفهاد.
كان ترديد الأهازيج وراء عادل ما يخفف وطأة المسار وصعوباته التي حملت الكثير من التحديات. فدرب زبيدة يمر بكل أشكال التربة والتكوينات الطبيعية المتنوعة من نفود برمالها وكثبانها وطلعاتها ونزلاتها، إلى الجبال الصخرية بأحجارها البازلتية المعقوفة المدببة، إلى الأراضي الطينية المنزلقة التي أدخلتنا في تجربة استثنائية ونحن نسير فيها تحت المطر والرعد والبرق، نتجنب ونتخير المسارات الأسلم وأحيانا نقرر أن نخوضها بأقصى سرعة لعلنا نجتازها بسلام، ثم ما ينفك الحماس يتضاعف ونحن نشاهد مصوري القافلة ينتظروننا عند نهايات مغامراتنا لالتقاط صورهم الفنية من الأرض أو السماء.
الحديث يطول لكن المكان لا يتسع وتجربة هذا العام تنتظر.
ودرب زبيدة ليس مجرد بضعة آبار وبرك ما زالت محتفظة بقوامها منذ ألف ومائة عام، وإنما هو طريق للحاج والحاجة سار عليه مئات الألوف من البشر عبر التاريخ بكل تضاريسهم الثقافية والإثنية والعلمية والنوعية والعمرية، تحمل أجسادهم بآمالها وأتراحها وآلامها التي يريدون التخفف منها عند الوصول إلى باب الحرم وإلقائها وراء ظهورهم وهم يعودون كما ولدتهم أمهاتهم. كان فيهم الناسك والتاجر، العالم والشاعر، الرحال والمؤرخ، الفقيه والمحدث. كل له هدفه وله إسهامه. كان طريقا ينبض بالحياة، والحركة، والذهاب، والإياب.
كان شرف لنا أن نسير اليوم على نفس هذا الدرب، أو جزء منه، نتبادل مع الأولين شيئا من مشاعرهم وتجاربهم ونتلمس أنفاسهم. نقلب الأبصار في عين ما وقعت عليه أبصارهم. نسير على نفس الحصى أو شبيهه. أي مشاعر يمكن أن تنتقل فيما بيننا وبين كل من درجوا على الدرب؟ لا يمكن إحصاؤها أو إدراكها.
العام التالي، يناير 2022 كان موعدي مع الدرب بتجربة أخرى.. قطعت خلاله 360 كم على الدراجة الهوائية في ثلاثة عشر يوما مع جزء من فريقي، دراجات الشروق، وفريق دراجي حائل، وبعض أعضاء من أماكن أخرى كالخرج والمدينة. كانت الاستعدادات الفنية عصية عليّ بعض الشيء، حيث كان ينبغي أن أستخدم دراجة جبلية من نوع خاص، تعالج عند مختص باستبدال الهواء في العجلات بالسيليكون تدعى تيوبلس tubeless حتى تتحمل التعامل مع الأرض سواء كانت صخرية أو حجرية أو شوكية دون أن تصاب في مقتل. كان هذا المختص في حائل وأنا في الرياض والوقت الذي وصلت فيه إلى القرار ضيق، فما كان إلا أن نستخدم الإرسالات المحلية واستكشاف مواقعها وإيصال عجلاتي إلى الناقل في جنوب الرياض، لتصل إلى الخبير الحائلي أبو عزام ثم أجد أني أرسلت العجلات ناقصة من بقية جسم الدراجة. فكان الموعد مع تكرار الإجراء والتكاليف بالطبع حتى تصل بسلام إلى بر حائل.
وصلت بالقطار لأجد نفسي مع عدد ممن سيزاملنني تجربة الدرب، وبعدها بقليل التقينا بالمجموعة الأكبر وبعد ذلك أصبحت وجها إلى وجه مع دراجتي في حلتها الجديدة وقد تضخمت كفراتها حتى أصبح من الصعوبة تحريك بعض مغيرات السرعة. كانت انطلاقتنا بالحافلات من فيد إلى العرائش، شمال حائل لنبدأ تشكيلنا وتجمعنا للانطلاقة الفعلية. كان يرافقنا في هذه الاحتفالية المتحركة من الحافلات والشاحنات والسيارات، كوكبة من حوالي مائة دراج على دراجات نارية ضمن فريق «المتحدون» الذين شاركونا الليلة الأولى في المخيم.
وكان صباح الانطلاق مع نائب أمير حائل الأمير الشاب فيصل بن فهد بن مقرن بن عبدالعزيز الذي كرر كما العام الماضي، مشيه معنا على الأقدام لمسافة عشرة كيلومترات، ولحقناهم على الدراجات الهوائية والدراجات النارية حتى وصلوا حدود الصحراء وعادوا أدراجهم، الأمير بالهليكوبتر والمتحدون بدراجاتهم بينما أكملنا خمسة وعشرين كلم أخرى قبل الوصول إلى مخيم الليلة الثانية.
اصطففنا دراجات ودراجو درب زبيدة في خط جميل بلغ عدة أمتار يضم عشرة دراجين ودراجات بخوذاتنا وستراتنا الصفراء (هذا العام تم توحيد الألوان). كنا اثنتين من فريقنا وواحدة انضمت إلينا لاحقا، أما زميلتنا الرابعة في الفريق فقد فضلت تجربة الركائب «الجمال» هذا العام.
ثم بدأ الحماس يسري وأنا أجرب دراجتي في عدتها الجديدة. كان استكشاف الطريق من فوق الدراجة ذو طعم مختلف.. طبعا الوتيرة أسرع من مشي العام السابق، لكن التوحد مع الذات ما فتئ يتكرر، فكل شخص وسرعته وسرعتها، أجد نفسي وحدها وأجدها مع المجموعة. كنت محظوظة بفريق الدراجين الذي كنت عضوة فيه. تميز أفراده فردا فردا بالسماحة وخفة الروح والالتزام بالرياضة وبالنظام وبالبيئة وحب الاستمتاع بالطبيعة وأيضا بالقهوة.
نظرا لتقدمنا عن بقية الركب بدراجاتنا، فكنا نبتهل استراحات أكثر من الاستراحة الرئيسة في منتصف الطريق، فكنا نتخير موقعا جميلا مطلا أو ذا ظل، وبالدور وحسب التخصص هناك من يعد لنا قهوة مختصة، سواء مقطرة أو تركية أو عربية وندعو عليها رفاق الرحلة من المارين وسط أهازيج لم تنفك تتوقف وقد برع أفراد المجموعة فيها بقيادة كابتن الفريق عادل الفهاد.
كان ترديد الأهازيج وراء عادل ما يخفف وطأة المسار وصعوباته التي حملت الكثير من التحديات. فدرب زبيدة يمر بكل أشكال التربة والتكوينات الطبيعية المتنوعة من نفود برمالها وكثبانها وطلعاتها ونزلاتها، إلى الجبال الصخرية بأحجارها البازلتية المعقوفة المدببة، إلى الأراضي الطينية المنزلقة التي أدخلتنا في تجربة استثنائية ونحن نسير فيها تحت المطر والرعد والبرق، نتجنب ونتخير المسارات الأسلم وأحيانا نقرر أن نخوضها بأقصى سرعة لعلنا نجتازها بسلام، ثم ما ينفك الحماس يتضاعف ونحن نشاهد مصوري القافلة ينتظروننا عند نهايات مغامراتنا لالتقاط صورهم الفنية من الأرض أو السماء.
الحديث يطول لكن المكان لا يتسع وتجربة هذا العام تنتظر.