سارة مطر

تخيل أن تواجه ظلك

السبت - 04 فبراير 2023

Sat - 04 Feb 2023

هل يمكن للإنسان أن يعيش بلا ظل، أتخيل أنني أسير دون انعكاس لهيئتي على الأرض وأقول لنفسي هذا تخيل مستحيل، فالظل جزء مني لا يمكنني فقده بشكل مادي.

يرد ظلي علي ساخرا: ماذا عن الفقد المعنوي؟!

إن أول ما يطرأ في ذهني بصدد هذه الرؤية رواية «الرجل الذي فقد ظله» لفتحي غانم، الذي يأخذنا لفرضية فقد الظل عندما يفقد الإنسان نفسه الأصيلة ويسير وراء أهوائه وأطماعه.

أسير وراء فرضية الظلال كما يسير ظلي خلفي، وأستدعي صاحب الظل الطويل لجين ويبستر، وأتذكر بطلتها الأخاذة جودي أبوت التي لم تر من جون سميث إلا ظله الطويل، ليصبح الظل بطلا هنا في عيون جودي.

من هذه الزاوية، أخذ الظل منحى آخر في الصور الإبداعية، فأصبح الكتاب يحاولون كتابة سيرة البطل الظل المواجه للبطل الحقيقي، وذلك بعد الوصول لفكرة أنه لولا الظل ما كان البطل ليظهر بتلك الصورة الجذابة التي تمكنه من خطف قلوب المعجبات بنبله وشجاعته، فلولا الشرير في رواية أحدهم ما كانت هناك رواية من الأصل.

يستدعي ذهني فيلم الجوكر (2019)، والذي ظهرت فيه شخصية العدو اللدود لباتمان في صورة مختلفة عن المرسومة قبل ذلك حينما كان ظلا للبطل، لقد حصل على سمات مختلفة تمكنه من جذب تعاطف الجمهور باعتباره البطل هنا.

تتجاوز آية طنطاوي في قصصها المعنونة في مد الظل هذا المفهوم، حيث يصبح المكان الظليل هو البطل الذي يمكن خلاله رصد ما يحدث على أرض الواقع، بالتعامل مع الظل كحيز مادي يمكن الإمساك به بشكل فعلي في محاولة لفهم المعنى الحقيقي للظل.

إن مفهوم الظل معقد ومتشابك، سواء في الأدب أو الفن أو حتى على المستوى التصويري، وإن كان ما يهمني من كل ذلك بشكل شخصي هو علاقتي بظلي، الذي أتمنى ألا يسأم من نقاشاتي معه فيتركني ويرحل بغير رجعة، أمشي في الشوارع، أجوب الأسواق، المحلات، أطالع ظلي على فترات، أخاف فعلا أن يتركني كما تركني أصدقاء أعزاء كانوا قد وعدوني بعدم الرحيل خلال رحلة حياتي. إن الفقد الذي نعانيه هو في الحقيقة فقد لجزء من ظلنا، إن الظل في تكوينه جزء من الروح، من الذات، من الهوية.

إن رحلة البطل في مواجهة ظله رحلة طويلة، تتخذ مراحل متنوعة ومنعطفات كبيرة، تظهر فيها وجوه مختلفة للبطل نفسه كما رصد جوزيف كامبل في البطل بألف وجه.

فخلال الرحلة الإنسانية يكتشف الإنسان نفسه، عبر مواقف صعبة ومواجهات مع آخرين هم في الأصل ظلال لنا في حياتنا وبالتبعية نحن ظلال لهم في حياتهم.

إن مركزية الظل من مركزية الحياة، فلكل حياة ظل، ولكل بطل ظل، ولكل سيرة سيرة أخرى نقيضة تسمى سيرة الظل.