ياسر عمر سندي

عقليات البوفيه المفتوح

الأربعاء - 01 فبراير 2023

Wed - 01 Feb 2023

في المناسبات المجتمعية الحديثة سواء أكانت عائلية أو أخرى عملية؛ يأتي في نهاية المطاف واجب الضيافة بأسلوب البوفيه المفتوح وعلى امتداد الصالة تشاهد الطاولات ممتلئة بما لذ وطاب من الأطباق ومختلف المأكولات وصنوف الحلويات وترى المدعوين يتهافتون على الأطباق الرئيسة والجانبية.

في قاعة البوفيهات المفتوحة تظهر عقليتان من خلال التصرفات السلبية والإيجابية وهو محور حديثنا؛ عقلية الندرة وعقلية الوفرة وقبل الخوض في هاتين العقليتين وتفسير ردود أفعالهما دعونا نلقي الضوء على تعريفات مصطلحي الندرة والوفرة بحسب ما ذكره معجم المعاني.

• الندرة هي «قلة الوجود؛ وحالة وجود شيء ما بكمية أقل مما يرغب الناس الحصول عليه منه».

• الوفرة هي «الكثرة والفائض الخصب والغزارة من الشيء».

أصحاب عقلية الندرة يتبنون السلوك الفكري الشيطاني وأساسه «الشح والفقر» من خلال الأنا والغرور الشخصي؛ يعيشون فكرة الكم القليل في كل شيء والذي لا يكفي لأحد سوى ذواتهم وأنفسهم؛ تراهم يتصرفون بحب الاستحواذ على أي شيء بطريقة ملحوظة؛ لا يحبون للغير مثلما لأنفسهم بل على العكس من ذلك هم أنانيون بطبعهم؛ «أنا ومن بعدي الطوفان» هي استراتيجيتهم السلوكية والفكرية؛ يعيشون في نظرية المؤامرة والشك ويتملكهم الحسد والبغض على الآخرين؛ منغلقون على أنفسهم في المعرفة ولا يشاركونها مع محيطهم حتى وإن كانت تنعكس بالفائدة على الجميع؛ بزعمهم أن ذلك سيمنح الآخر فرصة وأنا أحق بها من خلال ذلك يشعرون أن نجاح الآخرين تهديد لهم.

هؤلاء الندرويون تجدهم في البوفيهات المفتوحة يعيثون فيها فسادا؛ تراهم يملؤون أطباقهم من كل صنف ونوع قد يشتهونه أو لا يشتهونه بكميات تزيد عن حاجتهم وكأنما جبل من ركام الطعام ظنا منهم أنه سينتهي الطعام قبل أن يتمتعوا به وحدهم وهي فرصتهم الوحيدة لتعبئة الطبق وبطريقة عشوائية ثم يتركونها على الطاولات؛ وحتى في سلوكهم في تناول الطعام تجدهم يلتهمونه بسرعة وشراهة وكأنما الطعام الأخير في حياتهم.

أما أصحاب عقلية الوفرة على العكس من ذلك يتبنون السلوك الفكري الإيماني وأساسه «الكرم والسخاء» بأن الله هو الرزاق موزع الأرزاق فتراهم يؤمنون بأن كل شيء مخلوق بقدر رباني مسبق؛ كذلك يؤمنون بمبدأ الفرص الممنوحة للجميع لذلك لديهم الوعي بأن الفرص الخاصة هي ضمن فرص الآخرين العامة؛ يرحبون بمشاركة المعرفة لأن النجاح يأتي من خلال التعاون والبذل المجتمعي ويشعرون أن نجاح الآخرين هو نجاحهم والعكس صحيح.

هؤلاء الوفرويون تراهم في البوفيهات المفتوحة متراصين بعناية يلتقطون ما يرغبون من أطعمة بكميات محدودة وإذا فرغوا يمكنهم أخذ ما يحتاجونه في جولة ثانية وحتى طريقة أكلهم يعتريها الهدوء والسكينة والوقار والأدب؛ لأنهم يؤمنون بأن الطعام متوفر بما فيه الكفاية لهم وللجميع ويقينهم الراسخ بأنها ليست حرب ميدانية من يغنم يكسب مبدأهم لنا نصيب في الطعام مثلما للجميع.

البوفيه المفتوح تجربة عملية يظهر فيها جليا الفرق بين عقليات الوفرة والندرة بين السلبيين والإيجابيين الانتهازيين والمتعاونين.

Yos123Omar@