حنان درويش عابد

عندما تقفز «الأنا» داخل غرفة المدير من النافذة!

الأربعاء - 01 فبراير 2023

Wed - 01 Feb 2023

لا شك أن أعظم تحديات الإنسان هو نفسه وليس الآخرون، والأنا هذه الكلمة بالغة التأثير على كل شيء، هي عاصفة مدمرة تقتلع كل شيء بلا رحمة، والمدراء في المؤسسات هم بشر، وليسوا بمعصومين، ولكن هناك حالة من القدر المعقول من البصيرة والحكمة التي يتميز بها الكثير من مدراء المؤسسات، ولكن حالة البصيرة والحكمة هذه لا تأتي إلا عبر طريق واحد وهو قصقصة أجنحة «الأنا» على الدوام.

ومدير المؤسسة الذي يفترض أنه يسعى إلى تحسين القيمة السوقية لمؤسسته، هو إنسان طموح، وإنسان إيجابي من دون أدنى شك، لأنه أسس كيانا اقتصاديا ليفيد نفسه والمجتمع، ولهذا فهو بعيد كل البعد عن السلبية كفرد في المجتمع، ولكن تبدأ المشكلة عندما تهاجمه «الأنا» وهو في مكتبه يتأمل، وتأخذه هذه «الأنا» من حالته الإدارية الإيجابية لتحلق به في فضاءات لا ينبغي التحليق فيها، لأنها لطالما حطمت شركات وأحالتها ترابا منثورا في الهواء بعد أن كان أصحابها ذوي كلمة مسموعة في السوق.

فالأنا إذن ليست صديقة أبدا لصاحب أي مؤسسة تجارية، وهي عدو بكل المقاييس ولا يختلف على ذلك اثنان، والمدير الذي تتعاظم فيه الأنا يبدأ بابتكار أفكار وسلوكيات ويخترع أدوات تساعده على تحقيق هدف هذا العدو الذي لا يدرك بأنه عدو من الأساس.

والإنسان بطبعه مجبول على حب الفخر، والفخر بحد ذاته ليس جريمة إن كان في إطاره الصحيح المغلف بغلاف الخيرية والتواضع وحب الناس، ولكن هذا الفخر يتحالف مع الأنا ليخرجا سويا سلوكيات قاتلة لمستقبل أي مؤسسة، وهنا يبدأ الموظفون بمعاينة مواقف إدارية يتعجبون منها، على رأسها إسكات صوت كل مبدع داخل المؤسسة، والتقليل من شأن كل موظف متميز داخل المؤسسة، بل وتصل الأمور أحيانا إلى إهانة المتميز علنا أمام الجميع.

إن هذه الممارسات ليست وليدة عصرنا الحديث، بل هي ممارسات إنسانية أصيلة جدا في الفكر البشري بدأت لأول مرة في قصة قابيل وهابيل، والأنا ليست مستحدثة في نمط التعايش الإنساني ورغبة فرد من الأفراد في أن يمتلك كل مظاهر الفخر داخل المؤسسة فقط لأنه هو من أسسها.

لهذا فإن من تغلب عليه الأنا وتتحكم فيه كإداري وصاحب مؤسسة عليه أن يفرغ المؤسسة من كل عناصر التحديث والابتكار فيها، ويحيط نفسه بأشخاص أقل منه بكثير من حيث الإمكانات، لكن أصحاب الخبرات والإمكانات العالية هم دائما لا يقدمون المال والأجر على كرامتهم الشخصية؛ لأنهم يمتلكون إمكانات تجعل الكثير من الشركات ترحب بهم وتستقبلهم بالورود، ولهذا فإن أخطر أداة لإسقاط أي مؤسسة تجارية ليست المنافسة السوقية، وإنما هي بالفعل دخول شبح «الأنا» من نافذة غرفة المدير، لتملأ نفسه بكل أدوات الهدم التي تسقط مؤسسته ولو بعد حين.