شاهر النهاري

هل لديك وثائق سرية في منزلك؟

الاثنين - 30 يناير 2023

Mon - 30 Jan 2023

مستجدات هزت أركان سياسة أمريكا، والتي كان الأغلبية يتصورونها مثالا أعلى للدقة والتنظيم، وحصانة التعامل مع المعلومات السرية، من جانب الحكام وكبار مسؤولي الدولة حينما يحلون في مناصبهم، ومضربا للمثل بعد مغادرتها.

السياسة الانتخابية أصبحت دسيسة وغيلة شنيعة، تستخدم فيها أسوأ الأسلحة لتنصيب أحدهم، أو لإسقاطه عن منصبه، عبر توجيه السهام بقوس يتلبس بالإصلاح، وهو عقد وإرهاصات ومحاولات تشويه، وتشكيك في النوايا والانتماءات، ووضع الخصم، في خانة المغضوب عليهم، ومن لا يستحق دخول التاريخ بإنجازاته أثناء أداء مسؤولياته الوطنية.

فخار يكسر بعضه بالديمقراطية، فوجدنا من أطلق صفارات الإنذار وحرك مطارق وزارة العدل، وسخر ذئاب مكاتب التحقيقات الفدرالية، لنبش بيت الرئيس السابق ترمب، وزلزلة حاضره، وتخوين قادمه، بما وجدوا في منزله من وثائق سرية، أقامت الدنيا ولم تقعدها بأغراض سحب الثقة عنه في تبوؤ أي مسؤولية حكومية مستقبلية.

والأمر كان يمكن أن يكون أقل فضائحية، بالمطالبة بوضع نظام رقابي على الوثائق السرية فلا يتمكن أحد من أخذها إلى بيته، وأن يكون عليها حراس ساهرون حريصون، وحتى لو أخرجت مؤقتا، فعليهم استعادتها، ووضع الضوابط لتسليمها حال انتهاء خدمة المسؤول، ولكن ذلك لم يكن الهدف، ما زاد من اختلال النظام.

ولتكتمل القهقهة، فلا يلبث الحاكم الحالي، بايدن أن يدان بنفس التهمة، ويشرب نفس المقلب.

وتطول التهم نائب الرئيس السابق «مايك بنس»، والباحثون عن الفضائح من الحزبين مستمرون، مع يقين الجميع بأن هذا التفتيش لو حصل لسائر حكام وكبار مسؤولي أمريكا، فلن ينجو منهم أحدا.

أغلبية كبار المسؤولين لا يتمكنون من إنهاء مهامهم في مقرات أعمالهم، ويفضلون مراجعة بعض الوثائق في بيوتهم، وهذا أمر غير مستنكر.

ولكن بعضهم ينسى، ويتساهل بعد خروجه من الخدمة معتبرا أن هذه الوثائق جزء من ذكرياته الشخصية، وأنه ربما يحتاجها يوما، ولو لصنع سيرة ذاتية، أو فيلما وثائقيا!

ولو كانت نوايا المسؤول أكثر سوءا، فكان من الممكن أن يأخذ صورا رقمية لها، ودون تحريكها من مكانها لمنع الشبهات.

والواقع أننا لو بحثنا في بيوت كل المسؤولين الكبار والصغار في دول العالم أجمع، فسنجد أرتالا من الوثائق مخزنة في مكاتبهم المنزلية، طالما لا يتم استعادتها عند التقاعد، أو مغادرة المنصب، وكم من عمليات محاباة وتطنيش تحدث، وكم من سرية تفضح، وكم من مسؤول يستخدمها في نشاطه الإعلامي أو التجاري أو حتى في التسريبات والتجسس، بعد رحيله عن عوالم السياسة، وكم تباع مثل تلك الوثائق السرية وتشترى، ومهما تضاءل منصب مالكها وصولا لمدير مكتب، أو سكرتير.

المتوقع أن تصبح هذه الحكاية في المستقبل لعبة رائجة على مستويات أوسع في كل البلدان كونها طريقة تحييد وتحزب ناجع لخلق الضغوط، والتصيد، والتشكيك، والإساءة والاتهام بالفساد والجاسوسية، ومسح تاريخ أشخاصا لم يعد الزمان لهم.

وربما وبعد مقالي هذا، تشتعل البراميل، في الحدائق الخلفية، لبيوت مئات الآلاف من المسؤولين المتقاعدين بمختلف مستوياتهم على مدى الكرة الأرضية.

وقد يستغل التجار الشطار الفرص وينشئون شركاتهم المتخصصة في البحث عن الوثائق السرية في المنازل، وإخفائها. ولكن عساهم ألا يخونوا من يستأمنونهم، سواء بعمليات ابتزاز مستقبلية، أو حتى ببيعها على ويكيليكس!

shaheralnahari@