نمر السحيمي

المذاهب في الجامعات هل تتوافق ورؤية المملكة 2030؟

الاثنين - 30 يناير 2023

Mon - 30 Jan 2023

من المعلوم بالضرورة هو أن من يأخذ بمذهب واحد فقهي أو غيره، ويتشدد فيه، ويرى غيره منحرفا؛ فهو متحزب لفئة من المسلمين دون الفئات الأخرى التي شاركت في فهم النصوص الشرعية وقدمت فهمها، ودافعت عنه تحت لواء الاختلاف المحمود.

وحيث تتفق كل المذاهب الفقهية والإسلامية على المعلوم من الدين بالضرورة: وهو ما يعرف من غير افتقار إلى نظر واستدلال، ومن غير قبول للتشكيك، وذلك كوجوب الصلوات الخمس؛ لذا فإن الأخذ في المُحكم الذي اتفقت عليه كل المذاهب الفقهية والإسلامية، إضافة إلى أخذ ما دخل في باب التيسير في كل المذاهب من فتاوى ورؤى هو نهج مستقيم سار عليه السلف الصالح عبر كل القرون السالفة.

وقد أدرك المخطط لرؤية المملكة 2030 أن المستقبل هو بالأخذ في التيسير الذي جاءت به كل المذاهب الفقهية والإسلامية.. ليرفع الحرج عما جاءت به الشريعة الإسلامية من سماحة ويسر بعيدا عن الغلو والتشدد أو الإفراط والتفريط.

يقول الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء: «لا يمكن لشخص الترويج لأحد المذاهب ليجعله الطريقة الوحيدة لرؤية الدين في المملكة، وربما حدث ذلك أحيانا سابقا، خصوصا في عقدي الثمانينيات والتسعينيات، ومن ثم في أوائل القرن الحادي والعشرين، لكن اليوم نحن نضعها على المسار الصحيح»، ولنفي تمسك المملكة بمذهب واحد واستمرارها على ذلك وصف ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الشيخ محمد بن عبد الوهاب بـ»الداعية»، فهو «ليس رسولا.. وهو ليس السعودية، وقال سموه: المملكة لديها المذهب السني والشيعي، وفي المذهب السني توجد أربعة مذاهب، ولدى الشيعة مذاهب مختلفة كذلك، ويتم تمثيلها في عدد من الهيئات الشرعية».

ويؤكد كلام ولي العهد أن المملكة ستسير نحو رؤيتها 2030 بعيدا جدا عن ما كان سائدا في السابق من وصفها بالتمسك بمذهب واحد هو ما كان عليه الشيخ محمد بن عبدالوهاب، والصواب أن المملكة منذ تأسيسها تأخذ بنهج الإسلام الوسطي المبثوثة نصوصه في كل المذاهب الفقهية أو الرؤى المتوافقة مع التيسير في كل المذاهب الإسلامية؛ وبناء على ذلك فإن ما تتهم به المملكة من تطبيق مذهب واحد لوظائف المؤسسة الدينية بالمملكة هو غير صحيح، بل إن هذه الوظائف وغيرها من وظائف الهيئات في ذات المجال هي لكافة أبناء المملكة من مختلف المذاهب.

يدعونا هذا التفصيل الواضح إلى النظر في واقع الأقسام والكليات والجامعات التي تتعلق مخرجاتها بتغذية المؤسسة الدينية بالكفاءات من الخريجين والخريجات، ماهو وضعها الذي سنسلكه لتحقيق رؤية المملكة 2030؟ وهل هناك مشروع يعمل على تهذيب ما هي عليه الآن لتتواءم مع برامج ومشاريع الرؤية؟

والحقيقة أن جامعاتنا التي تتجاوز اليوم 35 جامعة لا أرى من وجهة نظري أي ما يدل على جهود ملموسة لها لدعم برامج ومشاريع الرؤية، فمخرجاتها لا زالت كما كانت خلال الثلاثين سنة الماضية، ومناهج ومقررات التخصصات الشرعية والفكرية هي ذاتها التي تعتمدها الأقسام الإسلامية والدعوية المأخوذ جلها من كتب ودراسات منظري جماعة الإخوان المعادية والمحظورة بالمملكة.

لذلك فإنه وللخروج من هذا الوضع يجب النظر لهذا الموضوع وإعطاؤه الاهتمام الكافي من المخططين للتعليم في بلادنا وأرى اتخاذ الإجراءات التالية:

أولا: تحويل أقسام الدراسات الإسلامية ليكون اختصاصها في الإسلام الوسطي بمجالاته الأربعة (العقيدة والشريعة والأخلاق والمعاملات)، وتكون مقررات هذه الأقسام مأخوذة من المُحكم في الكتاب وصحيح السنة فقط. وترك المتشابه لأقسام دراسات عليا متخصصة مكونة من كفاءات من مختلف المذاهب الفقهية والإسلامية.

ثانيا: تحويل مسميات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض والجامعة الإسلامية بالمدينة إلى جامعة الرياض وجامعة المدينة المنورة.

ثالثا: تحويل كل أعضاء هيئة التدريس في كل أقسام الدراسات الإسلامية إلى (نظام التعاقد) الذي ينص عليه نظام الجامعات الجديد، قبل مدة إجراءات التدرج الحالية، حرصا على تحقيق برامج ومشاريع رؤية المملكة 2030؛ لأن تأجيل مثل هذا الإجراء سيؤخر من دعم الجامعات للرؤية؛ حيث ستبقى الجامعات على حالها السابق إن لم تغربل؛ بناء على مفهوم الرؤية الواسع الذي لن يتوافق مع الوضع الضبابي المشتت العشوائي.

رابعا: إيقاف برامج المنح الدراسية الخارجية، واستبدالها بدعم المملكة للمؤسسات التعليمية في الدول التي تريد ذلك، وبالصورة التي تتوافق مع تعليم الإسلام بمجالاته الأربعة، في مقررات تعتمد على المحكم الذي يفهمه الناس جميعا.

وفي الختام.. أؤكد على أهمية التعليم في كافة مراحله فيما يحقق رؤية المملكة 2030، وأنه هو المعول عليه لتحقيق مخرجات من الواجب أن تقدم كفاءات وطنية ستكون هي الأساس المعتمد عليه في تحقيق تطلعات ولاة الأمر، ونجاح رؤية المملكة 2030 وما سيتبعها من خطط.

alsuhaimi_ksa@