علي المطوع

عالمنا اليوم

الأحد - 29 يناير 2023

Sun - 29 Jan 2023

الأخبار المتواترة هذا الأسبوع تفيد بقدوم تعزيزات عسكرية كبيرة للجيش الأوكراني، دبابات تشالنجر الأمريكية ونظيرتها الليبورد الألمانية في طريقها لتقوية الدفاعات الأوكرانية، هذه الأخبار تعكس تفوقا عسكريا كاسحا للروس، استدعى الغرب القيام بهذا الإجراء الخطير!

قبلها كان هناك انسحاب روسي مفاجئ، هلل البعض على وقع انكساراته، كون المعادلة لم تتغير فحسب، بل انقلبت رأسا على عقب، على طريقة دايم السيف في شطره الشهير (وعود خبير الصيد مصيود يا كافي)، قبل أن تعود روسيا هذه الأيام بهجوم كاسح مهول في محاولة لملء الفراغ من جديد.

المحللون ينعمون بأحداث جسام مكنتهم من الجلوس أمام العدسات والتحدث بطلاقة متناهية، فهم أصحاب صنعة كلامية، مادتها الخام هي الأحداث المأساوية التي تعصف بالعالم هنا وهناك، ولا عجب أن تزدهر صنعتهم في ظل جنون بعض النافذين في العالم، والذين لا يسعهم الحلم ولا الأناة للتبصر في عواقب الأمور قبل وقوعها، فهم يهربون إلى الأمام في مشاهد مخيفة تشي بتغيرات جوهرية قادمة ومرعبة.

إسرائيل كعادتها الإجرامية، وفي ظل يمينها المتطرف، شنت هجومات على بعض المواقع الفلسطينية المحتلة، خلفت كعادتها الدمار والقتل في صفوف المدنيين، وكالعادة تهب الفصائل الفلسطينية لردة الفعل التي وإن كانت لا تقاس ولا تقارن بالفعل القادم من إسرائيل، إلا أنها تظل طبيعية في مشهد صراع دموي بين قوة معادية وشعب شبه أعزل، يتمسك بما بقي له من أرض ويتوق لإعادة حقوقه المصادرة.

إسرائيل ما انفكت تؤصل حضورها في منطقتنا كدولة غاصبة، تكسر كل الأعراف والمواثيق الإنسانية، لتقتل وتدمر وتفتك بأبرياء عزل، ذنبهم أنهم أصحاب أرض وقضية. في المقابل، سلطة فلسطينية متسلطة، يضرب شعبها ويقتل ويهجر، وأقصى ما تفعله أن توقف التنسيق الأمني بينها وبين المحتل، وهنا يحير العقل السوي عندما يتساءل عن طبيعة هذا التنسيق وانعكاسه الإيجابي المنتظر على الفلسطينيين الذين تقتلهم إسرائيل بدم بارد كل يوم؟!

في أفريقيا المعارك مستمرة، بالأمس القريب عملية عسكرية أمريكية في الصومال، تقول الدعاية الأمريكية أن نتائجها كانت قتل 9 إرهابيين، ويبدو أن الطرف المقابل لم ولن يقول شيئا عن هذه العملية، البعض يتذكر تلك العملية العسكرية الأمريكية الفاشلة التي نفذتها قواتها في الصومال في عقد التسعينات من القرن الماضي، والتي ما زالت ماثلة في مخيال الساسة الأمريكان وهم يتعاطون مع الشأن الصومالي وإشكالاته المتعبة والمرعبة.

العالم يتجه إلى حتفه ربما، وربما أنها الفوضى العارمة التي تسبق ذلك الحتف، بعض تلك الفوضى تكون نارها موقدة من أطراف نافذة تحاول السيطرة على العالم، وبعضها يكون انعكاسا واستجابة طبيعية لتطورات الأحداث في أي مكان، فالعالم ما زال يستذكر جروح الحربيين العالميتين، وما زالت مآسيهما يجسدها المخيال الإنساني أعمالا أدبية ودرامية، كونها أكثر ما أساء للعالم وأضر به.

الأمم المتحدة وأمينها، عليهما أن يشعرا بالعار أكثر من القلق، كون الأمين السابق قد استهلك كل مشاعر القلق التي يحق لخلفه ولمنظومته الأممية الشعور به، وهذا ما جعل الأمين العام الحالي، الذي لا أعرف اسمه ولا أريد أن أعرفه، يتوارى عن المشهد خجلا وربما خوفا من القادم القريب.

الغرب منقسم على نفسه، وأوروبا تئن على وقع السياسات الأمريكية الجديدة، التي باتت تتمحور حول مصالحها دون النظر إلى مصالح الآخرين، وروسيا تحلم ببزوغ فجر قيصري جديد تكون فيه الشمس الساطعة التي تنير أوروبا التي ما زالت تدور في الفلك الأمريكي غير قادرة على الفكاك من نظامه الصارم، كيف لا وأمريكا هي من وضعت تلك الدول فيه، فكانت طوق نجاتهم مرتين، الأولى من هتلر والثانية من الاتحاد السوفيتي إبان الحرب الباردة، والذي يريد بوتين بعثه من جديد.

ماذا بقي أيها الكرام من أخبار؟ بقيت أخبار العرب بعاربتهم ومستعربتهم، ذلك النص المفقود الذي وسعه التاريخ وما زال الحاضر عاجزا عن استيعابه أو أن يعبأ به، ما فتئ هذا النص يبحث في هذا العالم عن موقع إعرابي أصيل يخوله التأثير، لكن أزمته الأزلية تكمن أن حضوره في المشهد يظل كصلة الموصول، التي تحضر صوتا له أنين، لكن لا محل لها من العُرب - بضم العين - والإعراب!

alaseery2@