كي لا يبرر القانون ازدراء الأديان
الأحد - 29 يناير 2023
Sun - 29 Jan 2023
أقدم زعيم حزب «الخط المتشدد» السويدي اليميني المتطرف راسموس بالودان، الأسبوع الماضي على حرق نسخة من المصحف أمام السفارة التركية في ستوكهولم، كتعبير لاعتراضه على المحادثات التي كانت جارية بين بلاده وتركيا بشأن انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو، وقد تسببت هذه الحادثة البغيضة بموجة غضب عارمة من كافة الدول العربية والإسلامية مردوفة بتنديد دولي واسع النطاق؛ لكون هذا المتطرف أقدم على ذلك وسط حماية مشددة من الشرطة السويدية، وأعقب تلك الحادثة إقدام متطرف آخر هولندي عضو في حركة «بيغيدا» المناهضة للإسلام على تمزيق نسخة من المصحف في لاهاي، ولكن الشرطة هذه المرة منعته من حرق المصحف، الأمر الذي دعا إلى استمرار حالات الغضب والرفض لازدراء الأديان ولكنه لفت الانتباه أيضا إلى معضلة في غاية الأهمية تتمثل في فعالية القانون أمام التردي الأخلاقي عندما يندرج تحت مفهوم حرية التعبير.
وقد أظهرت دول العالم العربي والإسلامي مواقف رسمية موحدة تجاه رفض هاتين الحادثتين، داعية إلى نبذ دواعي الكراهية والتطرف ونشر قيم التسامح والتعايش، لكن كانت هناك مطالبات بتقديم اعتذار سويدي وآخر هولندي للدول الإسلامية، ومطالبات أخرى باتخاذهم إجراءات تحد من تصاعد الظواهر المعززة للكراهية والتطرف، إلى جانب دعوات المقاطعة التجارية وتنظيم الوقفات الاحتجاجية التي قد تنتهي بحرق أعلام الدولتين وإهانتهما تطبيقا لقانون نيوتن الثالث، وكل تلك المطالبات كان محركها هو أن القانون في السويد وفي هولندا أيضا كان حاميا لممارسات بغيضة تجاه الأديان لكونه سلوكا يندرج تحت مفهوم حرية التعبير التي يقرها القانون في الدولتين، أي أن القانون في ذاته هو الجذر الداعي لممارسات التطرف والكراهية وأن المسؤولية هنا تقع على عاتق الدولتين.
وبينما اتضح أن المواقف الدولية والأممية تردف هذه الرؤية ضد اليمين الغربي المتطرف؛ ظهر رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون في إدانته ليقول بأن «حرية التعبير جزء أساسي من الديمقراطية، ولكن ما هو قانوني ليس بالضرورة أن يكون ملائما» ووجد دفاعا عن موقفه هذا من المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس الذي أشاد بدعم السويد لحرية التجمع، وقال، دون أن يكون هدفه السخرية بالطبع، «إن الفعل قد يكون قانونيا ومشينا في آن واحد»، لتظهر هنا الإشكالية التي مقرها اليسار الغربي التي قد تنبئ بتكرار تلك الحوادث مرارا، فلا اليمين المتطرف قادر على التعايش ولا اليسار المتطرف أيضا قادر على ضبط عملية التعايش نفسها.
وفي رأيي أن المسؤولية لا تقع على عاتق السويد وهولندا وحسب، والحادثة البربرية تلك لن تمحى بتقديم اعتذار رسمي للدول الإسلامية وستبقى خالدة في الذاكرة المجتمعية، بل لابد من عمل أممي يتفاعل فيه المجتمع الدولي برمته ويكون هدفه صد النكوص ومحددات التشتت والتمزق الإنساني وكبح أدران العنصرية الوضيعة التي تستند إلى المفاهيم الغربية العائمة والفضفاضة في تفسير القانون وحماية السلوكيات الخارجة عن الأخلاق، وهذا لن يتم دون الرجوع إلى تلك المفاهيم بغرض مطارحتها وإعادة اختبار جوهرها انطلاقا من جدلية المرجعية الأخلاقية بين العقل والدين؛ إذ لابد من إيجاد روابط ما بين هذا وذاك تولد إثراء متبادلا وتحافظ على سمو المجتمع البشري عن هكذا تعويص مفتعل، بما يجعل الفرد نفسه قادر على أن يستشعر كونية القيم الدينية انطلاقا من إيمانه بقيمته كشخص وبالتالي انفتاحه على التواصل مع المجتمع الإنساني العالمي بعيدا عن الدوغمائيات والتزمت.
وقد أظهرت المواقف المتداعية عن الحادثتين أن معظم الدول انطلقت في مواقفها من الواقع الملموس، أي الفعل الشائن نفسه، لتصل إلى ما تراه خيرا للمجتمع البشري، كالمطالبة بحظر ازدراء الأديان ونبذ دواعي التطرف، وهذا موقف نبيل لكنه يفترض، ربما دون قصد، أن المنتمين للتيارات المتطرفة يتفقون معهم في معاني المفاهيم المرتبطة في الحادثتين من قبيل الكراهية والتطرف وحرية التعبير، وبالتالي فهم يبنون على هذه افتراض رؤية موحدة للمفاهيم التي من خلالها يمكن الانتقال إلى فهم موحد للدين وسلوكيات التقديس والتدنيس، ثم يبنى عليها فهمهم للخير والشر والتسامح كإطار عام تندرج تحته كل تلك المفاهيم، لذا قد يكون من الأفضل أن ينطلق العمل من الأعلى، من المجال الأممي، بما يحقق خلق فضاء عمومي يخرج القانون نفسه من الأفق الضيق إلى النظرة الكونية، ويهبط إلى تحييد تلك المفاهيم عن السيولة وتباين تفسيرها، ليستطيع القانون بعد ذلك أن يكون ملائما للأخلاق بالضرورة؛ وإلا فإن الحادثتين ستكرر أيضا.
9oba_91@
وقد أظهرت دول العالم العربي والإسلامي مواقف رسمية موحدة تجاه رفض هاتين الحادثتين، داعية إلى نبذ دواعي الكراهية والتطرف ونشر قيم التسامح والتعايش، لكن كانت هناك مطالبات بتقديم اعتذار سويدي وآخر هولندي للدول الإسلامية، ومطالبات أخرى باتخاذهم إجراءات تحد من تصاعد الظواهر المعززة للكراهية والتطرف، إلى جانب دعوات المقاطعة التجارية وتنظيم الوقفات الاحتجاجية التي قد تنتهي بحرق أعلام الدولتين وإهانتهما تطبيقا لقانون نيوتن الثالث، وكل تلك المطالبات كان محركها هو أن القانون في السويد وفي هولندا أيضا كان حاميا لممارسات بغيضة تجاه الأديان لكونه سلوكا يندرج تحت مفهوم حرية التعبير التي يقرها القانون في الدولتين، أي أن القانون في ذاته هو الجذر الداعي لممارسات التطرف والكراهية وأن المسؤولية هنا تقع على عاتق الدولتين.
وبينما اتضح أن المواقف الدولية والأممية تردف هذه الرؤية ضد اليمين الغربي المتطرف؛ ظهر رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون في إدانته ليقول بأن «حرية التعبير جزء أساسي من الديمقراطية، ولكن ما هو قانوني ليس بالضرورة أن يكون ملائما» ووجد دفاعا عن موقفه هذا من المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس الذي أشاد بدعم السويد لحرية التجمع، وقال، دون أن يكون هدفه السخرية بالطبع، «إن الفعل قد يكون قانونيا ومشينا في آن واحد»، لتظهر هنا الإشكالية التي مقرها اليسار الغربي التي قد تنبئ بتكرار تلك الحوادث مرارا، فلا اليمين المتطرف قادر على التعايش ولا اليسار المتطرف أيضا قادر على ضبط عملية التعايش نفسها.
وفي رأيي أن المسؤولية لا تقع على عاتق السويد وهولندا وحسب، والحادثة البربرية تلك لن تمحى بتقديم اعتذار رسمي للدول الإسلامية وستبقى خالدة في الذاكرة المجتمعية، بل لابد من عمل أممي يتفاعل فيه المجتمع الدولي برمته ويكون هدفه صد النكوص ومحددات التشتت والتمزق الإنساني وكبح أدران العنصرية الوضيعة التي تستند إلى المفاهيم الغربية العائمة والفضفاضة في تفسير القانون وحماية السلوكيات الخارجة عن الأخلاق، وهذا لن يتم دون الرجوع إلى تلك المفاهيم بغرض مطارحتها وإعادة اختبار جوهرها انطلاقا من جدلية المرجعية الأخلاقية بين العقل والدين؛ إذ لابد من إيجاد روابط ما بين هذا وذاك تولد إثراء متبادلا وتحافظ على سمو المجتمع البشري عن هكذا تعويص مفتعل، بما يجعل الفرد نفسه قادر على أن يستشعر كونية القيم الدينية انطلاقا من إيمانه بقيمته كشخص وبالتالي انفتاحه على التواصل مع المجتمع الإنساني العالمي بعيدا عن الدوغمائيات والتزمت.
وقد أظهرت المواقف المتداعية عن الحادثتين أن معظم الدول انطلقت في مواقفها من الواقع الملموس، أي الفعل الشائن نفسه، لتصل إلى ما تراه خيرا للمجتمع البشري، كالمطالبة بحظر ازدراء الأديان ونبذ دواعي التطرف، وهذا موقف نبيل لكنه يفترض، ربما دون قصد، أن المنتمين للتيارات المتطرفة يتفقون معهم في معاني المفاهيم المرتبطة في الحادثتين من قبيل الكراهية والتطرف وحرية التعبير، وبالتالي فهم يبنون على هذه افتراض رؤية موحدة للمفاهيم التي من خلالها يمكن الانتقال إلى فهم موحد للدين وسلوكيات التقديس والتدنيس، ثم يبنى عليها فهمهم للخير والشر والتسامح كإطار عام تندرج تحته كل تلك المفاهيم، لذا قد يكون من الأفضل أن ينطلق العمل من الأعلى، من المجال الأممي، بما يحقق خلق فضاء عمومي يخرج القانون نفسه من الأفق الضيق إلى النظرة الكونية، ويهبط إلى تحييد تلك المفاهيم عن السيولة وتباين تفسيرها، ليستطيع القانون بعد ذلك أن يكون ملائما للأخلاق بالضرورة؛ وإلا فإن الحادثتين ستكرر أيضا.
9oba_91@