ياسر عواد المغامسي

رأي غازي القصيبي.. من داخل المنظومة أم من خارجها؟

الاحد - 29 يناير 2023

Sun - 29 Jan 2023

في كل مرة ومع سماعنا لخبر تعيين وزير أو مسؤول جديد في غير تخصصه أو في مجال غير الذي عرف به، تبدأ الآراء والنقاشات حول موضوع مهم في القيادة وهو: عندما نريد تعيين مدير أو مسؤول لجهة أو وزارة هل من الأفضل أن يكون ممن جرب وعمل في المنظومة المراد تعيينه فيها أم يمكن تعيين المسؤول من خارج المنظومة؟

ويبدأ كل فريق بالاستشهاد بالأدلة وضرب الأمثلة والشخصيات التي يراها تدعم رأيه، فمن يرى أهمية التخصص في المجال فيؤكد بأن ذلك أدعى لمعرفة دهاليز وأسرار المهنة، وبالتالي هو أقْدر على قيادتها، والرأي الآخر يعتبر أنها مجرد صفات قيادية إن توفرت في الشخص فهو قادر على قيادة أي وزارة أو مؤسسة، وإن لم يكن من أهلها، ولعل الاستشهاد بالدكتور الوزير غازي القصيبي - رحمه الله - وتوليه لوزارتين الصحة والكهرباء، وهو الدكتور الجامعي في العلوم السياسية، أهم ما يستشهد به أصحاب هذا الرأي.

ولأن لكل رأي وجهة نظر في هذه القضية وقناعاته ومبرراته، فالموضوع لا يتعدى أن يكون اختلافا في وجهات النظر، ولا نستطيع أن نجزم برأي دون الآخر، وعند ذلك نحتكم لأهل الاختصاص والتجربة في ذلك، لنبحث عمن كتب وجرب علم الإدارة والقيادة، لنجدها فيمن كان مضرب المثل في نجاحه الإداري ومن يستشهد به في عدم أهمية التخصص، ونعني بذلك شخصيتنا في هذه المقالة الدكتور غازي القصيبي، ففي كتابه (حياة في الإدارة)، ذلك الكتاب الذي جمع فيه الكاتب بين السيرة الذاتية وبين النصائح والفكر الإداري بصياغة وبلغة أدبية جميلة، فكان من أشهر الكتب الإدارية العربية، ففي هذا الكتاب أبدى رأيه في هذه القضية.

يرى الدكتور غازي القصيبي أنه إذا اجتمعت لدى القائد الإداري ثلاث صفات فلا يهم أي اعتبار آخر، ولكن في العالم الثالث تسود نظرة التخصص، ويرى أن الوزير المتخصص قد يكون أقل فعالية من الوزير غير المتخصص.. لماذا؟

هناك سببان رئيسان: الأول: ينبع من غريزة بشرية متأصلة، الناس أعداء ما جهلوا وأصدقاء ما عرفوا، من هذا المنطلق لا نستغرب إذا وجدنا الوزير المتخصص يركز على الأمور التي يتقنها ويهتم بها، ويهمل الأشياء الأخرى الكبيرة.

الثاني: ينبع من حقيقة معروفة، يشكل أعضاء كل مهنة نقابة يلتزم أعضاؤها بالولاء المتبادل، فلا تجد طبيبا ينتقد طبيبا آخر، فعندما يكون وزير الصحة طبيبا فإنه يجد نفسه مشدودا إلى زملاء مهنته على نحو يصعب معه أن يعاملهم بحياد وموضوعية.

ولكل قاعدة استثناءاتها العديدة، وإذا تمكن الوزير الجمع بين التخصص وبين الصفات القيادية فإنه يكون قد جمع المجد الإداري من أطرافه.

وللفائدة نعود لنبين الصفات الثلاث التي يجب أن تجتمع في القائد الإداري الناجح التي ذكرها الدكتور غازي وهي:

أولا: صفات عقلية خالصة، وهي القدرة على معرفة القرار الصحيح، فكثير من الإداريين تغيم لديهم الرؤية وتنعدم القدرة على تمييز القرار الصحيح من القرار الخاطئ، ففي داخل الإدارة وخارجها نادرا ما تظهر القرارات باللون الأبيض أو الأسود، وكثيرا ما يكون القرار الصحيح هو الأقل سوءا بين خيارات سيئة.

ثانيا: صفات نفسية خالصة، القدرة على اتخاذ القرار الصحيح، ما أكثر القرارات التي يعرف صانع القرار الإداري أنها صحيحة ولكنه يعجز عن اتخاذها خوفا من العواقب، فإذا كانت الحكمة جوهر الصفة الأولى، فالشجاعة جوهر الصفة الثانية.

ثالثا: صفات مزيج من الصفة العقلية والصفة النفسية، القدرة على تنفيذ القرار الصحيح، فنستطيع أن نجد في كل وزارة مقبرة واسعة من القرارات الصحيحة التي لم تنفذ، والمهارة المطلوبة لتنفيذ القرار الصحيح لا تتخذ شكلا واحدا بل ألف شكل، فهذه المهارة تشمل القدرة على التحفيز، القدرة على شرح القرار والقدرة على إزالة كل عقبة تقف في الطريق وتتطلب الكثير من الصبر والدأب.

ولا نستطيع أن نغادر هذا الكتاب من دون أن نستشف شيئا من عبقه، فما أجمل أن تصاغ الخبرة الإدارية بأسلوب رائع وراق فنجده يتحدث عن الإدارة فيقول: «لا يهم أن تكون الإدارة علما أو فنا، فالفرق بين العلم والفن مسألة تتعلق بالتعريف أكثر من تعلقها بالجوهر، ولا يهم أن يولد الإنسان إداريا أو يكتسب المقدرة الإدارية من التجربة، فما يعنينا النتيجة النهائية».

وإذا ما نظرنا إلى الجهة المقابلة وللرأي الآخر ومن يرى أهمية التخصص نجد أن الدراسات الحديثة تعزز من هذا الرأي ففي كتاب «Good to Great» أشار الكاتب جيم كولينز إلى أنه بعد دراسة وتحليل الإجابات على استبيانات وزعت على أكثر من 500 شركة عالمية، وتهدف الاستبانة للتعرف على العوامل المؤثرة في نجاح هذه الشركات واستدامته: وجد أنه ثاني أهم الأسباب لتقدم الشركات وبقائها في مصاف كبرى الشركات وتحولها إلى شركات عظيمة هو أن 10 من 11 من هذه الشركات العظيمة أتت بمدراء تنفيذيين من داخل الشركة.

ولكني أعتقد أن العبارة الأخيرة للدكتور غازي القصيبي قد لخصت المسألة وفصلت في القضية: «إذا تمكن الوزير الجمع بين التخصص وبين الصفات القيادية فإنه يكون قد جمع المجد الإداري من أطرافه».

@yasmh93