دحام مبارك الغالب

التربية الأخلاقية وأثرها في ارتقاء الناس والمجتمع

الخميس - 26 يناير 2023

Thu - 26 Jan 2023

إن ديننا الإسلامي يقوم على أربعة أصول: الإيمان، والأخلاق، والعبادات، والمعاملات، كما تم ذكر الأخلاق عدة مرات في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة، وهذا دليل على أن للأخلاق مكانة رفيعة في الإسلام الذي لم يعتبر الخُلق سلوكا فقط، بل أعده عبادة يؤجر عليها الإنسان، ومجالا للتنافس بين العباد، وقد جاءت العديد من الأدلة الشرعية على ذلك، ومنها ما قاله رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: «إن أحبكم إليّ، وأقربكم مني في الآخرة مجلسا، أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إليّ وأبعدكم مني في الآخرة أسوؤكم أخلاقا، الثرثارون المتفيهقون المتشدقون».

ورتب الإسلام على حسن الخلق أجرا ثقيلا في الميزان، قال - صلى الله عليه وسلم -: «ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق».

إن حسن الأخلاق يبعث الطمأنينة في حياة الفرد، وفي حياة المجتمع، والثبات على الأخلاق مطلوب لأن الأمور بخواتيمها وبدون الاستقامة والثبات على الحق لا يصل المسلم إلى الغاية، وبانتشار الأخلاق في هذه الحياة ينتشر الخير والأمن والأمان الفردي والاجتماعي، وتنتشر أيضا الثقة المتبادلة والألفة والمحبة بين الناس، وكلما غابت الأخلاق عن هذه الحياة انتشرت الشرور وزادت العداوة والبغضاء والنفور والتناحر من أجل المناصب، ومن أجل المادة والشهوات، والشرور سبب التعاسة والشقاء في حياة الفرد والجماعة.

وتعرف التربية الأخلاقية بأنها مجموعة من القيم والخبرات التربوية التي يتعلمها الإنسان منذ طفولته داخل الأسرة وخارجها من أجل توجيه سلوكه، ويعتبر السلوك الأخلاقي الركيزة الأساسية التي يبنى عليها أي نشاط إنساني، إذ إنه أسلوب تعامل ينظم الحياة الاجتماعية من جميع جوانبها، ويتطور السلوك الأخلاقي ويتغير كلما تقدم الإنسان في العمر، حيث إنه يستمر في التعلم طيلة حياته، إذ يمكن القول إن التربية الأخلاقية تشتمل على التطور العقلي والأخلاقي للشخص، ويكتسب الناس أخلاقهم منذ طفولتهم من خلال الأمثلة المطروحة لهم ومراقبة ذويهم، فهم يلاحظون كل ما يقوم به الكبار ويقلدونه؛ لذلك يجب على الأهل أن يكونوا قدوة حسنة لأبنائهم.

إن للأخلاق أهمية عظيمة للناس وللمجتمع، ويتجلى ذلك في العديد من الأفعال والسلوكيات، فبالنسبة للناس تمنحهم الأخلاق إمكانية اختيار السلوك الصادر عنهم، وتحديد شكلهم، مما يعني الإسهام في تشكيل شخصية الفرد، وتحديد أهدافه في الحياة.

والأخلاق تمنح الفرد الشعور بالأمان؛ إذ بالأخلاق والتحلي بها يتمكن الفرد من مواجهة ضعف نفسه، ومجابهة التحديات والعقبات التي تواجهه في حياته، فالأخلاق تساعد الفرد على ضبط شهواته وهواه ومطامع نفسه، حيث تكون تصرفاته كلها متسقة على ضوء ما يتحلى به من الأخلاق الحسنة، فتسمو بالإنسان فوق الماديات المحسوسة، فيرتفع بالأخلاق إلى درجات رفيعة من الإنسانية.

وبالنسبة للمجتمع فالأخلاق تحفظ للمجتمع تماسكه واستقراره، بتحديدها للمثل العُليا، والمبادئ الأساسية التي يقوم عليها، مما يجعل الحياة الاجتماعية سليمة ويُبقيها متواصلة، وتساعد المجتمع على مواجهة التغيرات التي تحدث فيه؛ وذلك بتحديدها للاختيارات الصحيحة والسليمة التي تسهل حياة عموم الناس، وتحفظ كيان المجتمع في إطار موحد ومحدد، وتُسهم في ربط أجزائه بعضها ببعض؛ إذ تجعلها تبدو متناسقة ومتجانسة، كما تُعطي الأخلاق أيضا النظام المجتمعي أساسا إيمانيا وعقليا.

الأخلاق تقي المجتمع من الأنانية المُفرطة، وطيش الشهوات، ونزوات الأهواء التي تضر بأفراده، وتُخلّ بنظامه، وتزوده بصيغة تُبيّن كيفيّة وطريقة التعامل مع العالم الطبيعي والبشري.

وأخيرا الأخلاق الحسنة تُكسِب الفرد جزاء حسنا في الحياة الآخرة، ويتمثل هذا الجزاء بالأجر الكريم، وبالثواب الحسن من رضا الله تعالى، والقبول منه، والفوز بجنته.

Daham9920@