ياسر عمر سندي

يحيى باجنيد مثقف الأجيال

الأربعاء - 25 يناير 2023

Wed - 25 Jan 2023

حقيقة الأمر لا أدري كيف أبدأ هذا المقال ومن أين؟!؛ عندما تتحدث عن عملاق ارتقى شأنه وعلا كعبه تصاب بما أسميه أزمة التيه اللاشعوري أمام قامة وهامة مثل الأستاذ يحيى باجنيد من خلال توليفته الثقافية من الفن والأدب والعلم والمعرفة؛ ناهيك عن ذلك الإعلامي المخضرم الكامن في داخله وذلك الصحفي اللامع في بحثه وتحريه وذلك الكاتب الجهبذ البارع في نقل مشاعره وأحاسيسه لمجتمعه والذي لا يزال يؤثر بما يشعر من خلال فنه التشكيلي المتجسد في لوحاته ورسوماته ورواياته وقصصه وكتاباته بأسلوبه الناعم وحسه المتناغم.

تشرفت بلقائه في بداية التسعينيات الميلادية؛ وأجدها الآن فرصة لأستحضر ذلك الحوار الخالد بين جنبات ذاكرتي البعيدة عندما أشار لي بلفتة أيقظت لدي شرارة الوعي المعرفي والنهم الثقافي لحب الكتابة والرسم حيث قال: «إذا حبيت إنك تكون مؤثرا على من حولك لازم تشعر بمن حولك» جملة علقتها على جدار عقلي الداخلي لأنظر إليها حينا بعد حين وأجتر جمالها إلى الحين.

جداوي أصيل ولد في حارة الشام من جيل الرواد؛ تجده سهلا ومتواضعا وأنيقا في هيئته وسلوكه؛ عظيما وراقيا ورشيقا في فكره وأسلوبه؛ على محياه الطيبة والهدوء يوحي لك دوما بالأمان والاطمئنان وراء شخصيته الأخاذة.

شرارة التوقد الإبداعي لا تأتي بمحض الصدفة وأنا أؤمن بذلك تماما؛ فتشريحي النفسي لشخصية الأستاذ يحيى يبدو أنه تأثر منذ نعومة أظافره بشخصية عظيمة وهي والدته الملهمة التي انعكست عليه بحسب أحاديثه المتكررة عنها في لقاءاته وندواته وأمسياته؛ ولا يزال يدين لها بالفضل كأم ومربية ومعلمة ومؤثرة على معظم انفعالاته المشاعرية والسلوكية التي يسقطها على كتاباته ولوحاته وحواراته الرومانسية من قصة «ستيته» إلى «بنت الستار».

تظل في ذاكرتنا «زوايا ومربعات» وهي مساحة في جريدة البلاد والتي كانت قاعدة انطلاقه الثقافي والفني عندما سافر إلى إيطاليا لاستكمال دراسته الأكاديمية آنذاك لصقل شغفه الفني المتنوع في الرسم والحفر والنحت والديكور.

عاد بعد أربع أعوام إلى أرض الوطن ليباشر عمله في صحيفة المدينة والتي تدرج بها حتى وصل لمنصب نائب رئيس التحرير؛ ثم رئيسا لتحرير مجلة اقرأ؛ ثم رئيسا لتحرير مجلة الحج والعمرة.

«حسبنا الله» و»سكر في مويه» عامودان ساخران وظفهما أستاذنا القدير لمعالجة ونقد القضايا الاجتماعية المختلفة؛ وغيرها الكثير من عناوين مقالاته بنكهة حجازية صرفة؛ ومن خلال برامجه المسموعة مثل «كلام على قد الكلام» و»برجك يا حمام» و»مساحة من الراحة» على إذاعة جدة.

صاحب فلسفة المناظرة الذاتية «كلم نفسك واضحك للمرايا» لمصادقة الأنا ومحاسبتها ومعاتبتها وحتى مكافئتها ليتصالح معها؛ كتب أستاذنا سابقا «دخلت بستانا لقيت حارسه يحيى بيده طبق فُل إذا شمه العليل يحيى وصحت من عزم ما بي وقلت يا يحيى ارحم قتيل الهوى عسى بعد الممات يحيى».

تشرفت مؤخرا بدعوة كريمة لحضور معرضه التشكيلي الخاص والمقام بمدينة جدة ليتحفنا بآخر أعماله الفنية الجميلة من الزمن الجميل ومن الشخص الجميل صاحب الخلق الجميل.

أطال الله في عمرك أستاذ يحيى فأنت بحق مثقف الأجيال.

@Yos123Omar