عبدالله قاسم العنزي

الخصومة وصناعة الحكم

الاحد - 22 يناير 2023

Sun - 22 Jan 2023

الخصومة القضائية هي ذلك الأثر المباشر الناتج عن استعمال الفرد للدعوى التي أقرها النظام، أي تم تأصيلها في حق اللجوء إلى القضاء، والتي ترتكز على المطالبة القضائية، حيث تتجسد الخصومة في جملة من الإجراءات والأصل فيها انتهاؤها بحكم فاصل في موضوعها.

ويطلق على الخصومة في اللغة النزاع أو الخلاف بين شخصين أو أكثر أيا كان محل النزاع، ومن حيث تكييف الخصومة القضائية فإن الفقه يتفق على أن الخصومة تكون وحدة رغم تعدد الأعمال والإجراءات فيه إلا أن الفقه يختلف حول التكييف القانوني لتلك الوحدة، فيعتبرها بعضهم رابطة قانونية، ويرى بعضهم أنها تكون مركزا قانونيا، ويذهب رأي ثالث إلى أن الخصومة هي شكل إجرائي للعمل القضائي واختلاف مصالح أطرافها وتعارضها.

والذي يظهر أن التكييف الذي يرى أن الخصومة هي عمل قانوني مركب تتابعي هو الأقرب؛ لأن الخصومة تتكون من مجموعة من الأعمال الإجرائية التي يقوم بها أشخاص مختلفون هم القاضي وأعوانه والخصوم أو وكلاؤهم والغير، وذلك من خلال ما يقدمونه من أدلة ومستندات وقرائن يعضدون بها دعواهم أو يدفعون عن أنفسهم ادعاء الخصوم وبهذه الإجراءات يصنع الحكم وينضج.

وتتوالى هذه الأعمال المختلفة وتتتابع بشكل منتظم لتحقيق غاية واحدة هي صدور الحكم القضائي، وهذه الغاية هي التي تجمع بين مختلف الأعمال القانونية وتشكل وحدتها.

إذن الخصومة عمل قانوني مركب من الناحية الشخصية؛ إذ يقوم به عدة أشخاص، ومن الناحية الموضوعية؛ إذ يتكون من عدة أعمال يمكن أن ينتج بعضها أو غالبيتها آثارا خاصة بها، ولكنها كلها تجتمع لإنتاج أثر نهائي هو ما يترتب على الحكم من آثار هذه الآثار تعد آثارا مباشرة للعمل النهائي وهو الحكم، ولكن الحكم وحده لا يستطيع أن ينتجها؛ بل تشترك معه الأعمال السابقة في ذلك عن طريق غير مباشر.

وقد كان المبدأ التقليدي هو ثبات النزاع بالصورة التي بدأ بها المدعي دعواه، فيتحدد نطاق النزاع بالطلب الأصلي؛ فلا يجوز له؛ أو لخصمه؛ أو للقاضي تعديل هذا النطاق أو تغييره، سواء من حيث الموضوع؛ أم السبب؛ أم الأطراف؛ فلا يجوز إبداء طلبات جديدة احتراما لحق الدفاع الذي يقتضي عدم مفاجأة الخصوم بطلبات جديدة بعد أن يكونوا قد استعدوا للدفاع في نطاق الطلب الأصلي وحده، أو بخصوم جدد بعد استعدادهم للدفاع في مواجهة أطراف الطلب الأصلي فقط، وكان هذا المبدأ التقليدي يقلل من جودة مخرجات الأحكام القضائية لعدم بحث كافة الطلبات والمستندات بصورة جيدة من خلال إنشاء الخصومة.

غير أن اعتبارات كثيرة، منها الاقتصاد في الخصومة؛ وحسن سير العدالة؛ وتوقي تضارب الأحكام واستحالة تنفيذها، توجب حسم النزاع المطروح أمام القضاء بكافة جوانبه وتوابعه؛ وما يرتبط به من منازعات؛ جملة واحدة لذلك جاءت فكرة تطور النزاع؛ وأجازت أغلب التشريعات الحديثة للمتقاضين؛ تعديل نطاق الخصومة الذي بدأت به، وذلك بالسماح لهم بتقديم طلبات جديدة؛ تتناول الطلب الأصلي بالتعديل؛ أو الإضافة، سواء تعلق ذلك بعنصر الأشخاص أو المحل أو السبب وهو ما نصت عليه المادة 83 من نظام المرافعات الشرعية.

وإن الأصل أن يتحدد نطاق النزاع بالطلب الأصلي، ومع ذلك فإن هناك اعتبارات كثيرة توجب ضرورة تعديل نطاق النزاع والسماح للخصوم والغير بتقديم طلبات عارضة أثناء سير الخصومة، والطلبات العارضة هي الطلبات الإضافية والطلبات المقابلة والتدخل.

فيجوز للمدعي تقديم طلبات جديدة يعدل بها طلبه الأصلي؛ أو يغيره؛ أو يضيف إليه ويجوز للمدعى عليه تقديم طلبات جديدة ردا على الطلب الأصلي للمدعي ويجوز لكل منهما أن يختصم الغير ممن كان يجوز اختصامه في الدعوى عند إقامتها، ويجوز للغير التدخل في الخصومة القائمة بين أطرافها الأصليين للدفاع عن مصالحه التي قد يعرضها الحكم الذي سيصدر بين الأطراف، وكل هذه الإجراءات من الطلبات العارضة تسهم بصورة كبيرة في تحديد وجه الحقيقة في الدعوى.

expert_55@