حسن علي القحطاني

الروسي والأوكراني والعالم.. في الفرن الأمريكي

الأحد - 22 يناير 2023

Sun - 22 Jan 2023

نجحت أمريكا في إيهام الروس والعالم بأنها تمر بحالة ضعف قاسية سياسيا واقتصاديا، كان من إرهاصاتها تضخيم صورة الانسحاب المخزي كما وصفة إعلامهم من أفغانستان، وأن الخلافات الداخلية بين الجمهوريين والديمقراطيين تهدد وحدة الصف الأمريكية، والترويج لوجود خلاف مع أوروبا حين قال ترمب وقتئذ تصريحه الشهير بعد اجتماع مع قيادة حلف شمال الأطلسي (لا يعقل أن يصل تعاون الطاقة بين أوروبا وروسيا إلى هذا الحد، ثم يطلبون منا أن نحميهم من موسكو)، والموقف غير الصلب من استيلاء الروس على جزيرة القرم عام 2014 سواء من الأمريكان أو دول حلف الناتو؛ انتهت بعقد اتفاقيات مينسك التي وضع الروس كل شروطها، هذه الاتفاقية كانت طعما أمريكيا لما هو حاصل الآن؛ فاستمرار تجاوزات أوكرانيا للخطوط الحمراء في اتفاقيات مينسك أوصل الروس إلى قناعة بأن الحرب خيار استراتيجي؛ ودخل الروس للوحل الأوكراني، هذا الأمر أصبح أكثر وضوحا بعد أن فضحت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل السر وقالت قبل أسبوعين في حديث صحفي أن اتفاقيات مينسك عام 2014 كانت محاولة لمنح أوكرانيا الوقت الكافي لتستعد للحرب ضد روسيا وعبرت عن شكها في أنه كان بإمكان بلدان الناتو آنذاك أن تفعل كل ما تفعله الآن لمساعدة أوكرانيا.

الآن يقف الروس بعد اقتراب الحرب من عامها الأول في موقف صعب، فهم غير قادرين على الحسم والتقدم؛ وفي نفس الوقت غير قادرين على العودة والانسحاب، وكل يوم يمر ليس في صالح روسيا، فالأمريكان يملكون الكثير من الاستراتيجيات الكفيلة بتغيير النتائج في ميادين الحرب، والمتغيرات الميدانية سريعة، واستمرار الارتفاع النوعي للمعونات العسكرية لأوكرانيا، والبدء في حشد جنود النخبة من الجيش الأمريكي في قواعد أوروبية يدفع لتصعيد خطير مع دولة نووية تملك القدرة على تشكيل تهديد حقيقي للعالم بكل اقتدار.

إن هذا التهديد يعتمد توقيت حدوثه من وجهة نظري على أمرين هامين للغاية؛ فإما نفاذ قدرة تحمل الروس للاستنزاف ذي الآثار المدمرة على المدى البعيد؛ رغم أن استمرار بيع النفط الروسي يساعد على الاستمرار في الحرب ولكن لن يكون عامل حسم له؛ وهذا يجعل خيار توجيه ضربة نووية انتقامية شبه حتمي، وأرى أن هذا ما ينتظره الأمريكان وحلفاؤهم في حلف الناتو، أو ربما انتظار تصدع نظام الاتحاد الروسي من الداخل ثم ضعفه وانهياره وإن كلف الأمر سنوات طويلة، ورغم صعوبة حدوثه ولكنه احتمال وارد.

أتوقع أن حدوث أي من الاحتمالين سيكون نقطة انطلاق لتنفيذ المخطط الأكبر لما بعد روسيا ودخول الصين الحرب من بوابة تايوان، وكوريا الشمالية من بوابة كوريا الجنوبية، ولذا لن تسمح أمريكا بأن تنتهي الحرب في مدة قصيرة.

أخيرا... لا زلنا في سنة أولى حرب، وأنا لست في صف روسيا ولا في صف أوكرانيا، وما يعنيني هو الاستفادة من دروس هذه الحرب التي أسقطت تزييف كثير من الصور، وأظهرت أن الولايات المتحدة هي أكبر من يحافظ على مصالحه ويحقق المكاسب فيها بإحلال غازها تدريجيا كبديل للغاز الروسي في أوروبا، وفتح أسواق جديدة لسلاحها بعد تجربته عمليا في أراض بعيدة عن واشنطن آلاف الكيلومترات، والسعي لتحقيق مخطط القطب الواحد بمعايير جديدة هي من سيفرض قوانينها، وأن كلفها إدخال العالم كله في الفرن الأمريكي؛ لذا لا بد من الاستعداد للمرحلة التي ستكون أشد قسوة من سابقتها، حفظ الله وطني وكل أوطان العرب من شر الحروب القريبة والبعيدة.

@hq22222