سعود فهد بن داود

هنري فورد والبيئة

السبت - 21 يناير 2023

Sat - 21 Jan 2023

في بداية القرن العشرين عمل الأمريكي هنري فورد المؤسس لشركة فورد للسيارات على إحداث نقلة نوعية في عالم الصناعة بإنتاج كميات مضاعفة من السيارات في فترة وجيزة من خلال ابتكار منصات متحركة تعمل كناقل في خط التجميع.

وعمل في هذا على عدة نماذج، كل أنموذج بعد التصميم والتنفيذ والتجربة قاده إلى التفكير إلى أنموذج ذي كفاءة أكبر.

في عام 1908م جاء بالأنموذج الأنجح، والذي يعرف بأنموذج تي (Model T’s assembly) في هذا الأنموذج يتكون خط التجميع من 84 خطوة مستقلة، يقوم بكل خطوة منها فريق مؤهل فقط للقيام بالمهمة المخصصة له، فكل عامل هو ماهر في مهمته فقط، وجهود فريق التصنيع ككل تسهم في إنتاج المنتج الذي اكتسح سوق السيارات الأمريكي في بداية القرن العشرين.

وبهذا تحقق لهنري فورد المهندس الميكانيكي صاحب الفكرة الرائدة والنوعية عدة مكتسبات، منها مضاعفة إنتاجية التصنيع، تقليل زمن الإنتاج، تقليل تكلفة الإنتاج، وكل هذه المكتسبات ألقت بظلالها على أن يكون سعر المنتج أقل، والذي أدى إلى أن تستحوذ سيارات فورد على 50% من الحصة السوقية للسيارات في أمريكا لعام 1918م.

هذا الابتكار المميز الذي سهل إنجاز المهمة الكبرى بتقسيمها لعدة مهام صغيرة مستقلة يقوم على كل مهمة فريق ماهر وكفء لإنجاز مهمته على أكمل وجه، تاركين للفرق الأخرى إنجاز ما لديهم من مهام حسب التخصيص والتعيين، يقودني إلى أنه الأسلوب الأمثل في مواجهة التحديات البيئية التي يعيشها عالمنا الآن.

على المستوى التنظيمي، تحرص الحكومات على وجود ذراع رئيس لإدارة شؤون البيئة محليا بتحديد المخاطر ووضع السياسات اللازمة وفرض الإجراءات التي بها يتحقق الوفاء بالالتزامات والاتفاقيات الدولية.

فمثلا اتفاقية باريس، وهي معاهدة دولية ملزمة قانونيا بشأن تغير المناخ، تم إقرارها في نهاية عام 2015م، والتوقيع عليها في أواخر عام 2016.

تقوم الأمم المتحدة مقام الناقل المتحرك في ابتكار هنري فورد، حيث التزام الأطراف المتعاهدة (الدول) يشكل الفرق المستقلة والمخصصة للقيام بمهام محددة للوصول إلى الهدف المرجو من هذه المعاهدة وهو الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض (الاحتباس الحراري).

يعيش العالم اليوم عدة تحديات بيئية، أبرزها تلوث الهواء، والذي حسب بيانات برنامج الأمم المتحدة للبيئة فهو يتسبب في القضاء على 7 ملايين شخص سنويا، وهو ما يعادل 5 أضعاف وفيات الحوادث المرورية حول العالم. وتحديات أخرى، كالتغير المناخي، التصحر، فقدان التنوع الحيوي، تلوث المياه، وغيرها من التحديات التي تلزم تكاتف العالم والتزامه بتطبيق الممارسات السليمة لمواجهة المخاطر المشتركة عالميا.

في المؤسسات البيئية الحراك مستمر ولا يتوقف حول إدراك وتدارك المخاطر البيئية، لكن الدور الأكبر كذلك علينا عامة البشر في مساعدة الجهات التنظيمية بالمساهمة في تحقيق المستهدفات المرجوة، وذلك بالاستجابة للتحذيرات حول الممارسات المحظورة بيئيا وكذلك تشجيع الممارسات البيئية الصحيحة، مكونين بذلك مساهمات جماعية تحت مظلة تنظيمية محلية ملتزمة من خلال معاهدات دولية بغية الحفاظ على البيئة والبشر.