شروق المحمادي

أحتفظ بحق فكرتي!

الخميس - 19 يناير 2023

Thu - 19 Jan 2023

كل فكرة أعبر عنها في نص وحديث أشعر أنها صارت بلا مأوى بلا أم، فقدتها ولن تعود إليّ من جديد.

لهذا فإنني أختار من فتيات أفكاري فكرة واحدة أحتفظ بها إلى الموت لا أبوح بها لأحد مهما طال زمن حبسها الداخلي. أيعقل أن أبقى في منزلي دون بنات دون أسرة ومخيلات؟

أبوح بكل شيء! فما يبقى لي؟ عندي فرضية تقول: إذا وزعت كل أفكاري وانتشرت في الجو فلن تبقى لي ثروة!

هناك حلم واحد وفكرة واحدة ومخيلة واحدة أحتفظ بها أغذيها كل يوم بالعناية الطويلة والحنان الذهني والحب المعرفي والاهتمام الإدراكي.

وألوم نفسي لو لمحت لربع منها إلى أحد، وألومها أكثر لو فهمها أحد، وأبكي لو انتشرت.

أريد أن أعيش لفكرتي المختبئة، وأموت لأجلها، وأريد ما هو أكبر طموحا من هذا: أموت شهيدة في سبيل قتلها بالصمت الرصاصي.

إنها ناري التي تشعل موقدي كل يوم، سر اتقادي، واستقامة حركتي، وأصل وجودي.

لنفرض أنها أفلتت من لساني يوما، ماذا سيحدث في العالم إذن؟ أكون بذلك قد مزقت متعتي وأمتعتي، وأنزلت أشرعتي في بحار الملل المضجوجة كآبة. وهل الكآبة إلا فراغ؟

لا أطعن فكرتي، لا أخون أحلامي، سأنام معها، سآكل معها، سأراها في كل الاتجاهات، في السحاب هي هناك، في الحياة، في الليلة القمرية، في أحلك الظلمات.

الجغرافيا تلبستها فصارت المكان، والحركة دارت في مسافتها فأصبحت الزمان وقسمتها على الحركة وأقسمت برب الأفلاك أن تعيش في ذاكرتي رغم زمهرير المجتمعات وزهايمر المعاناة. لن أنسى إيماني بها بل أقصي مجتمعي وأدني استقلالي وأحفظها من الضياع في رحم الصراعات والشقاء وصراع البقاء، وشماتة الأعداء وسوء الأوقات. سأحفظ ما بقي من قضيتي العليا في السماوات من أن تسقط في دبيب التفاصيل ودقيق الاختلافات ونانو المبكيات.

في الفكرة نور يحجب العقل عن ظلمات الخارج، والفكرة ذاتها ظلام تحجب الداخل عن نور الخارج. في الفكرة قوة وخطر تشعر المرء بالخجل وتذبل بمجرد خروجها إلى الوجود، وتهان كرامتها أمام كومة الخلائق. ولكن لها فرحة الانتصار إذا أدى بها الإنسان الواجب، في الفكرة قدرة على الوقوع وعجز عن التنفيذ فخارج الدار سكان لا تتأقلم أحلامنا معهم ولا تتكيف أفكارنا مع قبعاتهم السوداء، الفكرة حقي كإنسان يقاوم التفاهة.

ماذا يفعل من عاش وسط ضباب من الخطرات الشاذة والعواطف الكادحة إلا أن يملك فكرة تثبت مكانته بين الأفكار يركبها فيخترق الآفاق، أحتفظ بحق فكرتي فهي أسرع لحاقا بعصور المستقبل عن عصر يمشي الجميع فيه بخمول وبرود.

ولكن في الفكرة النبيلة شيء خطير!

إن الفكرة على نبلها وقدسيتها تنضج المرء سريعا حتى يصل إلى مرحلة الشيخوخة وهو يظن نفسه من جيل الشباب، إنها تفقد الإنسان عصريته، إنها تسلب ملامح الطفولة من الوجه وتكسيه بجدية حادة مفجعة، في الفكرة ما هو أخطر من هذا فقد تكون طاغية السمو حتى أنها لتصطدم بالحقيقة فتسبب الكثير من الألم لصاحبها.

إنك لما تملك فكرة تصبح عميقا وضائعا في ذات الوقت، تصبح مطمئنا وقلقا في الملي ثانية، للفكرة وجه جميل يسبب النفور لصاحبها تشعر أنك ممتلئ وخاو محب وكاره. الفكرة أول ولادتها خطيئة، تكرارها يجعلها حسنة.

في البداية تجري الفكرة خلفك ثم أنت من تجري وراءها فلا تغتر كثيرا. عندما تسقطك فكرة إلى درك الإدراك عليك أن تطلب النجاة من فكرة ثانية.

مستوى أفكارنا المطروحة بصوت علني شديدة العلو والاستعلاء والعمق، وأما أفكارنا المكتومة فقد تكون شديدة الانطراح والتسرع والسطحية، الفكرة تحتاج إلى مساعدة دائمة منا بأن نذكرها بإنسانيتها إذا هي نستها.

الحرية الفكرية بالنسبة لي أن تختار خلق الفكرة وتختار التخلي عنها في أي وقت، وتختار بعثها من أي مكان شئت.

الفكرة إذا تمثلت في صورة بشر أصبحت تعيسة.

أن تملك مجموعة من الأفكار السامية فأنت تعيش حياة باذخة تبدو سمات الغنى فيها من كلماتك المكتوبة والمنطوقة.

ولكن إذا تنبأت بالفكرة القادمة قبل أوانها فأعتقد أنك مسرف التفكير وتعيش حياة ذهنية موهوبة.

الفكرة قد تولد في محيط ذاتي متجمد، لما تذوبها بالنقاش والمشاركة فإنك ترسمها في دائرة أوسع عندما لا تجيد الشعور فلا يكون من حقك الحكم على أي شيء في الخارج.

من يعتقد أن الفكرة كاملة الأيام ستعلمه أنها كل العيوب.

عندما تطلب فكرة من الآخرين تكون كرجل يخطب امرأة ميتة.

الفكرة تجتاز أبوابي المغلقة، وتقفز فوق عقاري تركني دون مفاتيح.

فكرتي وجودي. إن ماتت، فلماذا أحيا في عدمية؟

من أنا؟ أنا فكرة علوية، وقضية كلية أبعدتها عن المشخصات.. ما أبتغي؟ أبتغي بلوغ النهايات.

shrooqmi@