سالم الكتبي

إيران بين عامين

الأربعاء - 18 يناير 2023

Wed - 18 Jan 2023

بعد أن طوى عام 2022 صفحته، ومع بداية عام 2023، لا تزال إيران تشهد أطول احتجاجات عاشتها البلاد منذ ثورة عام 1979، فرغم أن وتيرة الاحتجاجات تبدو متذبذبة، صعودا وهبوطا، وهذا أمر طبيعي بحكم طول فترة الاحتجاج، فإن حالة الغضب الشعبي الجارف لا تزال على حالها رغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر، وذلك لأن أسباب الغضب لم تعالج، أو لأن النظام لا يزال يحتفظ بسلوكه القمعي على أمل أن يقود ذلك في النهاية إلى إحكام السيطرة على الأوضاع. والثابت في الأمر كله أن إيران لن تعود كما كانت قبل مقتل مهسا أميني، بعد تحطم جدار الخوف، وسقوط ضحايا بالمئات بحسب تقارير منشورة، فضلا عن هروب الكثير من الرموز المؤثرة شعبيا من رياضيين وفنانين وأكاديميين إلى الخارج خوفا من غضب لاحق للنظام.

استراتيجية النظام الإيراني في الاعتماد على القوة المفرطة في قمع التظاهرات تسببت في اتساع مساحة الغضب، ولم تؤدِ إلى انحسارها كما كان يعتقد قادة النظام، والمعضلة أنه مع استشعار هؤلاء القادة للقلق لجؤوا إلى المزيد من القوة خشية فقدان السيطرة، وهذا كله تسبب في الانزلاق إلى دوامة غضب شعبي يصعب الخروج منها، ما يعني في الواقع أن النظام يعيش أزمة وجود حقيقية، حتى أنه بدأ يستعين برموز ظلت بعيدة عن الضوء طيلة السنوات الماضية مثل الرئيس الأسبق محمد خاتمي وفاطمة رفسنجاني نجلة الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، في محاولات لا تزال غير فاعلة، ولكنها تصب في خانة العلاقات العامة الهادفة إلى تبريد الأجواء ومحاولة امتصاص الغضب الشعبي من خلال السماح لهؤلاء بإطلاق مناشدات للإصلاح «قبل فوات الأوان»، والإيحاء بأن هناك محاولات إصلاح داخلي، ولكن يبدو أن المرشد الأعلى علي خامنئي لا يزال يخشى تقديم ما يعتبره تنازلات قد تنتهي بسقوط النظام في نهاية المطاف.

هناك اتفاق بين المراقبين على أن احتجاجات إيران الحالية قد تحولت إلى حالة من الغضب الشعبي المزمن، وهي حالة تولد مخزون غضب يتراكم بوتيرة أكبر من تراكم مخزونات الوقود الناتجة عن عمليات تخصيب اليورانيوم التي يباشرها النظام، وبإمكانها تفجير العلاقة بين النظام الحاكم والشعب الإيراني بشكل نهائي في أي وقت، والمسألة هنا لا تتطلب اتساع رقعة الاحتجاج بقدر ما تتوقف على إنهاك النظام؛ لأن من الصعب مواصلة إدارة شؤون البلاد وسط هذه الحالة من الغضب والفوران ومن دون أي بادرة تلوح في الأفق لمعالجة المعضلات الأساسية التي تسببت في اشتعال فتيل الغضب، سواء على مستوى ممارسات القمع الداخلي، أو على صعيد الاقتصاد المتردي، الذي يلعب الدور الأبرز في شحن الإيرانيين بطاقات غضب متجددة.

لم يكن من الممكن أن يصف ممثل أو رياضي إيراني معروف -يعيش داخل إيران أو خارجها- رأس النظام علي خامنئي، قبل اندلاع هذه الاحتجاجات بالديكتاتور، ناهيك عن تشبيهه بموسوليني أو الجنرال فرانكو أو ستالين أو غيرهم من رموز الاستبداد الذين شهدهم التاريخ في بلاد مختلفة، ولكن هذا الأمر بات يتردد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما يسهم بالتبعية في تعميق الشروخ بين الشعب والنظام ويشجع الغاضبين على التمسك بمواقفهم وتحين الفرصة لتحقيق مطالبهم بعد أن بات الطلاق بائنا بين الطرفين، وحيث لا يمكن التهوين من تأثير الرموز المجتمعية على توجهات الإيرانيين، ولاسيما لاعبي كرة القدم السابقين، ومن أبرزهم علي كريمي الذي يعد أحد أكثر منتقدي النظام في بلاده، والذي يتابعه عبر موقع «انستقرام» ما يقرب من 15 مليون متابع، ناهيك عن أن الجيل الجديد من الإيرانيين يختلف عن سابقيه، وهذا الأمر ليس حصرا على إيران، بل إن الشباب في جميع الدول يختلفون عن الأجيال التي سبقتهم سواء على صعيد التطلعات أو في مستويات الاستجابة للضغوط الأمنية وطريقة التعامل معها، ونشير هنا إلى لاعبة الشطرنج الإيرانية سارة خادم التي شاركت في بطولة دون حجاب في تحد واضح ولافت للسلطات في بلادها، التي تبرأت منها وخرجت لتعلن أنها لا تمثل إيران!

الواضح أن احتجاجات إيران هذه المرة تشهد تمردا على النظام ورموزه ونموذجه في الحكم وليس على الأشخاص، وهذا الرفض كان موجودا من قبل ولكنه انحصر لدى النخب وشريحة محدودة من الشعب الإيراني، ولكن الحاصل أن هذه الشريحة اتسعت لتشمل غالبية الإيرانيين، وهذه هي الخسارة الأفدح للنظام، الذي ظل طيلة السنوات والعقود الماضية يلعب ورقة تغيير الوجوه دون تغيير السياسات، ويراوح بين ما يسمى بإصلاحيين ومحافظين من أجل مواصلة البقاء وإعطاء إيحاء بأن هناك نوعا من الديمقراطية وحرية التعبير.

الشواهد تقول: إنه لا يمكن توقع عودة الأوضاع الداخلية في إيران إلى سابق عهدها، وهذا الأمر لا علاقة له بالضرورة بسقوط النظام، فمن الوارد أن يبقى النظام لفترة يصعب التنبؤ بها رغم تفاقم حالة الاحتقان الداخلية، وهذا عائد بالأساس للظروف الدولية التي تضعف قدرة خصوم النظام الغربيين على دعم أي تحركات داخلية، فضلا عن قوة القبضة الأمنية التي يتوقع الكثير من المراقبين أن تضعف وتتراخى وربما تنهار بمرور الوقت.

drsalemalketbi@