عبدالله قاسم العنزي

التكييف القانوني للوقائع الجنائية

الاثنين - 16 يناير 2023

Mon - 16 Jan 2023

مما لا شك فيه أن صدور حكم جزائي متوافق مع مقتضيات العقل والمنطق القضائي السليم يكون وفق عمليات قضائية سليمة تنتهي بتطبيق نص القانون أو الشرع على الوقائع، وأخطر هذه العمليات القضائية هي المطابقة بين الواقعة المعروضة على القاضي الجنائي مع القاعدة النموذجية المنصوص عليها في القانون، ولذا حرص المنظم السعودي على واجب التزام القاضي تكييف الواقعة تكييفا سليما ومنحه سلطة إعادة تكييف الوقائع وعدم الالتزام بما يطرحه الخصوم سواء كان ذلك الخصم النيابة العامة أو غيرها.

لاعتبار أنه في حالة الخطأ في تكييف الوقائع فإنه يترتب على ذلك الخطأ في تطبيق أحد أوجه الطعن بالنقض المنصوص عليها في المادة الـ193 من نظام المرافعات الشرعية في الفقرة (4) والتي تنص على أن الخطأ في تكييف الواقعة، أو وصفها وصفا غير سليم يكون أحد أوجه الطعن بقوة النظام.

إن التكييف القانوني للوقائع الجنائية يعتبر عملا من الأعمال التي يقوم بها رجال القضاء والنيابة العامة بإعطاء وصف قانوني للوقائع المعروضة على الجهة المختصة يسمح بأعمال قانونية عليها، وعرفه الفقه على أنه العلاقة بين الواقعة الخاضعة لتقدير القاضي والنص الذي يجرمها أو هو رد الواقعة إلى النص القانوني الذي ينطبق عليها ويحدد عقوبتها فالتكييف القانوني نشاط ذهني يقوم على أسس وضوابط تمكن من الوصول إلى نتيجة سليمة ومنطقية وقانونية وذلك من خلال المطابقة بين الواقعة والنص الذي يجرمها وهذه العناصر تشكل بنيان تكييف الواقعة.

ولقد ثار خلاف فقهي حول تحديد المقصود بالواقعة التي تتقيد بها المحكمة إذ أكد الفقه أن المقصود بالواقعة هي الركن المادي للجريمة في حين يرى اتجاه آخر أن هذا الرأي خلط بين مفهومين متميزين للفعل -أي الفعل كحركة عضوية- والفعل بمعنى الجريمة وقد اعتقد هذا الرأي بأن المقصود بالواقعة هو جانب مادي محض في حين أن الواقعة تحتمل أحد المفهومين فأوله أن الواقعة بمعنى الحقائق تشمل كل تفاصيل الواقعة من عناصر مادية ومعنوية أصلية كانت أم تبعية، أما المفهوم الثاني للواقعة فهو الفعل بمعنى الجريمة وهي الفعل أو الأفعال التي تنسب إلى المتهم والتي جرمها نص شرعي أو قانوني وجعلها جريمة معاقب عليها.

فالواقعة هي أساس البحث في جميع العمليات الإجرائية سواء كانت في مرحلة التحقيق وهي الواقعة التي تقع فعلا بكل تفاصيلها وخصائصها وأوصافها وهي التي يبحث القاضي في مدى خضوعها وتطابقها للقاعدة المجرمة لها ولا يتصور تطابق النص المجرم على الركن المادي المجرد عن الإرادة.

ولقد ذهب العديد من الفقهاء إلى أن الواقعة تعني الفعل المجرم في النصوص الجنائية الذي يشمل أركان الجريمة والتي تشكل مقومات الواقعة الجنائية وهي الركنين المادي والمعنوي مع استبعاد الركن الشرعي ذلك أن نص التجريم شرط جوهري وليس ركنا في الجريمة بالإضافة إلى هذه الأركان يشترط في بعض الجرائم توافر الشرط المفترض لقيام الجريمة ويعرف على أنه مركز أو عنصر واقعة مادية يلزم قيامها وقت ارتكاب الجريمة ويكون سابقا على النشاط المكون للجريمة وهو عنصر لازم للوجود القانوني لها ويسمى بالركن المفترض.

لدينا قاعدة قانونية أنه لا جريمة دون نص قانوني أو شرعي وعلى ذلك تبرز أهمية القاعدة أو النص في تكييف الوقائع حيث إن العنصر الأساسي في التجريم هو النص المجرم فهو الذي يحدد مواصفات الفعل الذي يعتبره القانون جرما ودون هذا النص يبقى الفعل مباحا فلا يقوم التكييف إلا بوجود نص يوضح حكم تلك الواقعة وسواء كانت من النصوص الشرعية أو النظامية.

expert_55@