روان النغيمشي

السؤال الأكثر جمالا

السبت - 14 يناير 2023

Sat - 14 Jan 2023

برزت أهمية صياغة الأسئلة بأنها تكشف عن حدود إمكاناتنا البشرية وأساليبنا اللغوية وقدراتنا التواصلية مع الآخرين، إذ يمكننا خلال قوة الأسئلة أن نتعرف على طبيعة الشخص الآخر إذا ما كان ذكيا أم حكيما، خلال ما يقدمه من إجابات.

فالسؤال هو الطريق الأساسي إلى المعرفة، والتوصل إلى الإجابات المنطقية المقنعة، بعيدا عن ضبابية الأوهام، كما أنه وسيلة للتخاطب بين العقول النيرة لتبادل الأفكار والمعتقدات والتجارب والمعارف، وتكمن أهمية السؤال في أن نسأل أهل الحكمة والخبرة والتجربة، كما يعد سبيلا لبناء المعرفة والعلم وتحديد الأهداف.

وتساعد الأسئلة على اكتشاف أساليب تفكير الآخرين وفهم أنماطهم السلوكية، رغم اختلافها وتنوعها وغموضها، ثم إثراء معارفنا العلمية بوعي أكبر. وطريقة طرح الأسئلة الجيدة هي أفضل طرق التعلم في الحياة، كما أنها فن يجب علينا أن نتعلمه ونجيده لكسب المعرفة الضرورية، للتواصل السمعي والحسي مع الآخرين، والعقل قد خُلق متسائلا ومتتبعا لمعرفة الإجابات، وذلك للوصول إلى الحقيقة المقنعة بناء على معطياتنا.

ولو لم تكن صيغة (لماذا) في معجم الأدوات لما اكتشف نيوتن قانون الجاذبية، وهذا السبب يكشف لنا أهمية السؤال ويساعدنا على التطور، واكتشاف الأسرار بذكاء بديع مثمر، ولقد قادت الأسئلة الحضارات الإنسانية إلى إنجازات بالغة وتطور بشري واع في جميع مجالات الحياة، وبالتالي فإن السؤال هو أساس الدراسات الفكرية والاختراعات العلمية، والسعي في البحوث الأدبية للوصول إلى المعارف.

وجوهرية الأسئلة تدفعنا للتفكر والتأمل في أطوار الحياة، وقد ثبت علميا أننا نتعلم في حياتنا عن طريق طرح الأسئلة، إذ يبدأ الفرد بشكل طبيعي بالتعلم خلال الملاحظة والسؤال (لماذا). فخلال الأسئلة يتعلم الجميع العلاقة بين السبب والأثر والنتيجة، وتفتح التساؤلات الوعي الإدراكي للمرء وتوسع مخيلته وتجعله نافذا إلى جميع أسرار البيئة المحيطة به، وبالتالي تتشكل هويته السامية خلال البحث والمعرفة بطريقة نبيلة واعية.

يجب علينا السير على نهج طرح الأسئلة لمزيد من المعلومات والخبرات، ولإضافة مزيد من الخيارات لحل مشاكلنا، فطرح الأسئلة والاحتكاك بالآخرين يجعلنا نتطور ونتناقل الخبرات ونتبادل المعرفة، مما يسهم في توسيع نطاق التفكير بشكل كامل، وبلا شك فإن العلاقات بين الأفراد هي استثمار ناجح خلال التحدث إلى أكثر من عقل، وطرح الأسئلة على جميع الأعمار، وفهم طريقة تفكير البشر واستيعاب الأجوبة والاستنتاج فيما بعد.

يعد طرح الأسئلة الذكية ناتجا عن طريقة تفكير ذكية مختلفة، وأكثر عمقا ومعرفة بتفاصيل غير لافتة للجميع، وهذا له أثر بالغ في جودة التفكير، ويجب علينا تغيير وتطوير الأسئلة مع مرور الوقت، في حال لم نجد الإجابات الكافية، ولن نستطيع الوصول إلى القدرة على طرح أسئلة ذكية، سواء كان ذلك في الحياة الخاصة أو الحياة المهنية، إلا بعد الاستماع الى الأسئلة التي تبدو ساذجة أو غريبة، وقد تكون هي أذكى الأسئلة لو تم التركيز عليها بشكل كامل. وفهم بذرة السؤال هي أهم طرق التعلم والإدراك، لأن الفهم يساعد على توسيع الثقافة، وضبط النفس، ومعرفة أهمية الأسئلة المتنوعة، ولو تمت معالجة الأمر بالاستماع لجميع الأسئلة المطروحة من سؤال غير منطقي وتحويله إلى سؤال ذكي، سيتم فتح آفاق متعددة في مخيلتك.

تعتمد توعية حياتنا على التساؤلات التي نطرحها، لأنها ترتبط بجودة الإدراك مباشرة، ويتم تحديد نوعية التفكير الخاصة بنا خلال نوعية أسئلتنا، وهي المحرك والقوة الدافعة وراء التفكير المنطقي، مما يساعدنا على بناء الثقة بالنفس، حيث يسهم الحوار في بناء الأسئلة وطرح المواضيع الناجحة المثمرة والعائدة للجميع بحصيلة أجوبة واضحة، لذا يجب علينا الاهتمام بما نطرحه من أسئلة.

وعلينا التركيز على المجالات التي تُطرح فيها، وما تركز عليه من أهداف واضحة، ويجب أن تكون مفيدة ومتصلة بحياتنا، وتعود بالنفع علينا وعلى الأشخاص المحيطين حولنا، وتساعد على جعل الأفكار أكثر إحكاما، وسيساعدك طرح الأسئلة على توضيح أفكارك وتعليقات الآخرين عليك، وفهم الإشارات غير الواضحة بشكل مباشر ممن حولك من المحيط العملي أو الاجتماعي.

ولو افترضنا أن شخصا وجّه إليك أسئلة ولم تفهمها بشكل مباشر وواضح، فيجب عليك أن تطرح الأسئلة لمزيد من التفسير، بدلا من تقديم افتراضات غير آمنة لن تعود عليك بالنفع، وقد تجعلك تتجاوب مع كلامه بطريقة خاطئة، إذ إن الأسئلة تعزز مستوى الفهم والوعي لديك، ومن المهم طرح السؤال حتى تفهم جيدا المعنى الحقيقي من الإجابة، ويجب أن تمحو معالم الجهل والحيرة بذاتك تجاه أي موضوع مجهول.

البحث عن الأجوبة للأسئلة يؤكد رغبتك في التعليم، وبمجرد ظهور هذه الرغبة يزداد احترامك لذاتك واحترام الآخرين لك، وستظهر وسط الجميع بأنك الأكثر حكمة ومنطقية، وأنك الشخص الذي لديه الرغبة في الحصول على المعلومة، كما تتميز بتحديدك للاحتياجات والرغبات النفسية والاجتماعية، ومن الأفضل أن تطرح أسئلة جيدة، تظهر ما يحتاجه من حولك، فإن عملية بناء العلاقات الناجحة تبدأ أولا باهتمامك بالآخرين، وعندما يظهر الشخص اهتمامه بما يهمهم عن طريق السؤال، بالتأكيد سيبادلونه التقدير نفسه والاهتمام به وبما يهمه. وعندما تسأل شخصا أسئلة عن شيء لديه، فستظهر شعورك بقيمته وأهميته لديك، والجميع يحب أن يشعروا ممن حولهم بالتميز والثقة في النفس، وأن لديهم شيئا جديرا بالبحث والسؤال عنه، ويجب علينا احترام خصوصية الناس، وعدم تخطي المساحة الخاصة بهم، أو طرح الأسئلة غير المناسبة، وهذا الأمر قد يوحي بالتدخل والفضول، ويعرضك للحرج وستظهر بشكل غير لائق.

هناك حقيقة مهمة تساعدك على الوصول إلى أسئلة ذكية، وهي ضرورة حصولك على كل المعلومات أولا، وضرورة أن تسأل أسئلة جيده توصلك إلى أصل المشكلة، ويؤكد أهمية ذلك مساعدتك في حل المشاكل بطريقة أسرع وبإتقان إبداعي، كما تساعدك على إيجاد الحل المناسب بعد إلمامك بكل التفاصيل خلال أسئلتك الدقيقة، وعندما نفكر بطريقة أعمق يصبح من السهل قبول أنفسنا، وتغيير حياتنا نحو الأفضل، ويجب أن يعيش كل شخص عالمه خلال حالة وعيه الخاصة به، وهناك سؤال قد يعود علينا بفوائد حقيقية في العلاقات العامة لتعزيز الترابط والتواصل فيما بيننا، وإبداء الرأي والأخذ بالحكمة، وهو أن تسأل الطرف الآخر عن رأيه حول مشكلة معينة، أو استنتاج ذاتي مفصل، وما هي التجربة أو الحقيقة بالنسبة له؟ وما هي الافتراضات حول نوع المشكلة؟ وماذا لو تم التفكير بطريقة مختلفة؟ وبعد ذلك سيكون تحديد الهدف أكثر إتقانا وذكاء.

الأسئلة عالم مليء بالغموض والتفكير المنطقي الواعي، الناتج عن إدراك حقيقي وفق معطيات وتجارب، وتقديم افتراضات واستنتاج تحليلي دقيق، ولو لم تكن الأسئلة ذات أهمية فكيف يتم حل الألغاز المجهولة، وسنجد في ساحة المحكمة إبداعا بطرح الأسئلة واكتشاف الحقائق، كما نجد لدى المحققين قوة ربط التفاصيل والوصول للحقيقة الغامضة عن طريق طرح الأسئلة، وبهذا سيكون للسؤال قوة تجبر الآخر على الجواب بلا تردد.

يجب التركيز على كيفية صياغة أسئلة ذكية، لحل مشكلة معينة، أو لربط أفكارك، ولتحقيق خطط مستقبلية ناجحة. كما يجب أن تستمر في البحث وطرح الأسئلة تجاه خطوات حياتك الشخصية، للوصول إلى أهدافك وأحلامك، وعليك أن تستخدم صيغة (ماذا لو)، وأن تعتمد على قوة خيالك لإنشاء صورة واضحة لتحديد رغباتك، وإطلاق مشاعر إيجابية حول الإجابات التي تبحث عنها، وابدأ بممارسة الأسئلة مع نفسك بشكل يومي، ما الذي أريد تحقيقه؟ هل حددت أهدافي المستقبلية؟ ما الذي أجيد صنعه؟ ما المهارات التي أتميز بها؟ هل حقا لدي رؤية واضحة؟ هل معتقداتي جيدة؟ هل أحتاج إلى مزيد من الفهم والتركيز؟ هل أنا واع بشكل كامل؟ ما نتائج تجاربي؟ لهذا، فإن الحوارات والنقاشات العامة بطرح أسئلة واضحة هي التي ينبع منها الإلهام، والسؤال أفضل وسيلة يمكن استخدامها للوصول إلى مفاهيم ومعارف جديدة، واحرص على احترام قيمك الإنسانية، وما الذي لست على استعداد للتنازل عنه أبدا؟، حدده جيدا حتى تتمكن من المطالبة باحترام قيمتك الأخلاقية والمهنية والعاطفية والاجتماعية، وفهمها في حين كنت تواجه تحديات القيم الذاتية بالحياة.