عبدالله السحيمي

العزف على أوتار الحياة

الثلاثاء - 10 يناير 2023

Tue - 10 Jan 2023

تمر السنون وتمضي ونحن نعيش تحت وطأة أحلامنا وآمالنا نبعث فيها الأمل ونوقظ الأحلام ونجدد أهدافنا.

نستذكر ونتذكر أحاديثنا ولغتنا وعالمنا الذي نعيشه ونتعايش معه ونجدد كل تلك الرحلة التي تمضي بنا بين زخم العطاء ومفاجآت تغير وتتغير لكننا نعيش ونمضي بها وكأننا نستورد ونورد تلك الأحلام التي تستيقظ في رحم المجهول ولكننا نمضي ونسير.

كلنا بشر نستشعر ضعفنا وانتعاشنا الذي يولد في لحظات وأيام وسنوات وتبقى رغبتنا الأكيدة الأمان والاطمئنان والستر والعافية.

يدفعني التأمل كثيرا في إزاحة الستار ونبش الخفايا والاطلاع على حديث ملأته السنوات خبرة ونضجا لتتعرف عن قرب البعد الذي مرت به تجربة أحدهم والأحداث التي مر بها من خلال وقفات اختيارية في البدء وعند انطلاقته ستوقفه المحطات رغما عنه لتخرج الأسرار ملفتة الانتباه كاشفة الخبايا محركة للأشجان لتغرق في أعماقه وتخرج بعضا من الأسرار القابلة للتداول والدافع للتساؤل، وهو الذي يبرهن أن لكل منا قصة وحديثا وسؤالا وجوابا وخفايا يكره الحديث فيها أو نبشها مما يدفع صاحبها إلى الصمت والانزعاج وهو يسأل وربما ينفجر غضبا حينما يتم الإلحاح عليه.

يمضي عام وتنطوي أعوام وسنوات العمر تمضي نفقد فيها أحبة ويعتصرنا الفراق تارة وتارة وهكذا الحياة تأخذ منك وتعطيك صورا متجددة، وفي المقابل نفرح ونحتفل بوقفات ومحطات ولحظات تمتد وتنتهي، وتبقى الذكريات محملة بالكثير من الصور.

ولا يجد الإنسان إلا أن يعيش بحذر وحيطة والعالم يقترب ويتقارب في تسارعه بالتقنية التي حولت العالم إلى تقارب سريع يفضي ويقضي على الوقت المتاح من خلال تدفق المعلومات ومروره بها وهو ينازع المصداقية فيما يصل من تنوع المصادر وكمية المعرفة المقدمة.

الحياة مواقف تستند إلى جوانب متعددة ومتغيرة ومقولبة في ابتسامات وضحكات ونجاح وفشل وكسب وخسران ورحلة طويلة من الأحداث!

(وكل شيء خلقناه بقدر)، «أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك»، «معترك المنايا ما بين الستين إلى السبعين»، حينما تتأمل في ذلك تمنح نفسك مساحة كبيرة من القناعة المتدفقة والمتأصلة بيقين العبد الصادق أن ما تحمله وما تتحمله هي أقدار مكتوبة رزقك وعمرك وحياتك وموتك.

كل ذلك يمنحنا أن نراجع أنفسنا ونحن نحول ونتحول إلى أن نعي متطلبات تساعدك وتساندك وتمنحك وتجعل منك إنسانا مقدرا ومحترما وتلاحقه الدعوات من خلال علاقاته مع الآخرين صغيرا أم كبيرا قريبا أم بعيدا.

إنه منهج يتمثل بقول عائشة رضي الله عنها حينما قالت عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ كان خلقه القرآن.

وماذا بعد؟ وأن تطوي من عمرك ساعات وأياما وسنوات ثم يأتي السؤال الذي يغرق بالانبهار ما هي خطتك؟ وما هو هدفك؟ وكيف تستقبل عامك الجديد؟

لست ممن يغرق في وضع الوعظ الذي يأخذ الآحادية في الحوار والتفكير، ولست من الذين يؤصلون الصورة بحكم قطعي، ولست من الذين يرمون الأحكام القطعية ويصنفون الآخرين ويدخلون في ذممهم وأمانتهم وهم لا يعلمون معرفة ولا يقفون على واقع بل هو انسلاخ وتتبع لاتجاهات بعيدة عن الدين والمنهجية المعرفية والتقاليد والأعراف. لكن على كل إنسان أن يرسم واقعه بواقعية تكشف حدوده وإمكاناته ورغباته بما يتوافق مع دينه وحدود مجتمعه وقيمه ومنهجية وطنه من خلال ما يلي:

- تعايش.. تعايش مع نفسك مع أسرتك مع أقاربك مع أصدقائك مع من تتعامل معه مهما كانت صورته أمامك، احترم تحترم وتجاوز وتغافل، لا تبق أسيرا لجاهل لا يملك عقلا، ولا ردة فعل تحدث عابرة ولا كلمة طائشة لا تستند إلى نضج متكامل، ولا ترضخ لموافقة من أجل شخص تدفع ثمنها وتلاحقك آثارها أينما كنت وأينما حللت.

- احتفظ بخصوصيتك وحافظ على خصوصيات غيرك بمنع نفسك من التدخل في غير ما يعنيك والابتعاد عن نشر معلومات عن الآخرين أو الغمز والهمز! تلك الخصوصية تمنحك غموضا يعد قوة ويعتبر قيمة حينما يخون الأصدقاء لحظة ضعف عشتها وبحت بتفاصيل ما مربك، وهم يرصدون سيرتك ويختارون ما يؤذيك وما لا ترغبه حينما تختلف مع البعض، ويبقى انكشاف هذه الأسرار إصرارا من قبل الغير في الإساءة لك أو النيل منك.

- ضع بينك وبين الآخرين حدا وحدودا فاصلة لا تمنحهم التجول في حياتك والغوص في عمقه، وعليك أن تكون مثالا ونموذجا لا تمنح لنفسك أن تبحث عن تفاصيل الغير وتتبع الآخرين، حرصك على الحدود وإقامتها ومعرفتها بدقة يساعدك على أن تبقى القيمة مرتفعة والاحترام يعم علاقاتك وينشر الأمان في أن لا أحد يستطيع أن يتجاوز حده مهما كانت الاعتبارات.

- اصبر وتصبر، وصفة علاجية ووقائية ليس لها مدة انتهاء، بل هي صالحة مع مرور الزمن، والصبر قوة ومنحة إلهية يتميز بها البعض عن البعض في كل الأحداث والمواقف.

- كن سمحا ومتسامحا، لا تكن حادا أو صلبا أو عنيدا مهما مر بك؛ فالناس تميل لمن يصفح لمن يعفو لمن يتغافل لمن يتجاهل لمن يكون سهلا ميسرا بعيدا عن التعقيد والتقعيد لكل شاردة وواردة.

إن الحياة بكل تفاصيلها تحتاج إلى عزف مع متغيراتها وليس نسفا مع اتجاهاتها، لأنها تبدأ معك بما يطلق عليك مولود وتنتهي بك إلى المرحوم. وهي فلسفة ذاتية تحتاج إلى تبصر وتستبصر قيمة الحياة مهما زادت ومهما بلغت فيها ما بلغت، فلا مناص من مواجهة مصيرك ويومك وساعتك المحددة.

اهتم بتفاصيل علاقاتك وتعاملاتك وكن خيرا في كل الأحوال مهما تعددت وقست الظروف، لا تجعلها تسقطك أو تنال منك أو تبقيك في وحل المشكلات، احرص على أن تظفر في غيابك أن يقال عنك «الله يذكره بالخير».

لا فرق بين عام مضى وعام قدم ما لم تغير وتتغير إلى الأفضل والأحسن والأجمل، وهو انطلاق ميثاقك الأخلاقي مع نفسك وتنفسك للحياة الأجمل في تعاملك وتعلمك من الحياة التي يلزمك أن تضيف لها قيمة وتجربة وإحسانا متجددا.

وعليك أن تدرك أن كل الخطط تفشل حينما لا يلتزم صاحبها بقوله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

كونوا لأنفسكم أجمل وسينعكس هذا الجمال في أن تستمتع برحلتك حتى وصولك، لتحقيق خطتك وأهدافك المرسومة تحت رغبتك وإرادتك التي تعيش فيها همة النجاح والتميز الذي يصنع إنسانا سويا يؤمن بإمكاناته ويقدر الغير بالقول والتعامل الخيّر.

@Alsuhaymi37