صالح العنزي

طالب الدراسات العليا ما له وما عليه

الاثنين - 09 يناير 2023

Mon - 09 Jan 2023

بين التعليم والحياة والتطور ثمة تفاعل كبير، وكلما زاد مستوى التعليم في مجتمع ما زاد تطور حياة أفراد ذلك المجتمع نتيجة لتطور المستوى الثقافي والاقتصادي والحضاري لأفراده، والتعليم يبدأ من العمومية للتخصصية، وقد يسلك الفرد تعليما ينتهي بمؤهلات أكاديمية وأخرى مهنية، ويعتمد ذلك كله على السياسات المرسومة للمجتمع من قبل صناع القرار فيه، وهذه السياسات قابلة للتغير وفق حاجات تلك المجتمعات وإمكانياتها وظروفها ورؤيتها المستقبلية، ونحن في المملكة العربية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -، تبنى سمو سيدي ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- رؤية المملكة 2030 والتي ترسم لأبناء هذا الوطن مستقبلا مشرقا بإذن الله بتوظيف إمكانيات هذه البلد ورسم تعليم مميز لأبنائه واعتبار التعليم لبنة أساسية لذلك، والاستثمار في شباب الوطن أساس لهذا التقدم، ومن ضمنها نظام الجامعات المستقل، والبرامج النوعية في الجامعات، وتطوير البرامج الحالية والاهتمام بالبحث العلمي ودوره في دعم التطور.

وفي ظل وجود برامج دراسات عليا داخلية وخارجية، فإن مرحلة الدراسات العليا من المراحل التي تحتاج لكي تحقق أهدافها لشروط معينة في الطالب وفي ما يقدم له، ومن خلال تجربتي وتجربة زملاء لنا في الدراسات العليا أود تسليط الضوء على ماهية الدراسات العليا وكيفية الالتحاق بها وما هي التطلعات للطلاب التي يريدونها في برامج الدراسات العليا والتي قد تكون أخذت بها بعض الجامعات ولعل الجامعات الأخرى تحذو حذوها.

أولا: ليعلم طالب الدراسات العليا أنه مقبل على مرحلة مختلفة عن مرحلة البكالوريوس، حيث إنها تنتقل به من الاعتماد على المقررات الدراسية إلى الاعتماد على المهارات الشخصية والبحثية في الدراسة، ومن الاعتماد بشكل أو بآخر على الأستاذ الجامعي إلى الاعتماد على نفسه، وتطوير مهاراته.

ثانيا: هي مرحلة ليست سهلة في القبول ولا في الدراسة، بل تحتاج صبرا، وتقبلا وتحملا وجهدا وقراءة وبحثا واستعدادا لاجتيازها بكل تحدياتها بالاعتماد على الله أولا ثم على نفسه وجهده.

ثالثا: إن كان الهدف هو الحصول على المؤهل فقط دون جهد حقيقي، فقد يحصل عليه ولكنه قد يحمل نفسه عبء ذلك المؤهل من حيث يشعر أو لا يشعر، فهذه المرحلة تخصصية ويراد من المتخصص أكبر من غيره، فإن لم يكن متمكنا فقد يجد صعوبة تبرير أهليته لهذا المؤهل في عمله أو تعامله.

رابعا: على الطالب اختيار التخصص الذي يناسب إمكاناته ويجد نفسه به، ويحقق طموحه المستقبلي، ولا تكن دراسته بدون هدف أو بهدف لم يدرس دراسة جيدة.

خامسا: ليعلم طالب الدراسات العليا أن أساس العلم التواضع، وإن كان يعتقد أن المؤهل يعطيه أفضلية شخصية عن غيره فهو واهم، فالمؤهل (ماجستير أو دكتوراه) هو درجة علمية لها واجباتها وعليها حقوقها، وليست أبدا مقياسا وحيدا لأفضلية الفرد على غيره.

سادسا: مهارات البحث العلمي هي أساس الدراسات العليا، وفيها وبها يتحدد مستوى مهارات طالب الدراسات العليا، وكلما اكتسب تلك المهارة بالقراءة والبحث والاكتشاف والسؤال وحضور المناقشات والمؤتمرات العلمية، كانت تلك المهارة أكثر نضجا وبالتالي سيقدم إنتاجا علميا مميزا في المستقبل.

أما بالنسبة للبرامج المقدمة في الدراسات العليا في الجامعات في مجملها تقدم خدمات تشكر عليها، ومما يحتاجه طالب الدراسات العليا من الأقسام العلمية في الجامعات:

أولا: مراجعة الخطط الدراسية للبرامج بحيث تراعي إكساب طالب الدراسات العليا في مرحلة الماجستير مهارات البحث العلمي بصورة مكثفة، مع تفعيل دور المجتمعات البحثية ومشاركة الباحثين وتحفيزهم على ممارسة الكتابة البحثية التطبيقية.

ثانيا: تخفيف الأعباء الإدارية عن أعضاء هيئة التدريس لكي يجدوا الوقت الكافي لتقديم المشورة الأكاديمية لطلابهم وعقد الندوات، وبناء المشاريع والمشاركات البحثية مع طلابهم.

ثالثا: أن يبدأ طالب الدراسات العليا (دكتوراه) دراسته وقد أسند له مشرفا أكاديميا ولديه مقترح بحثي يعمل عليه من بداية دراسته بالتزامن مع دراسة المقررات، مما يجعله يقدم بحثا مميزا في نهاية البرنامج.

رابعا: إعادة دراسة متطلبات التخرج مثل الاختبار الشامل بأن يكون بشكل فصلي أو سنوي بحيث يخفف من رهبته لدى الطلاب من جهة، وانشغال الطالب للاستعداد له من جهة أخرى فينقطع عن بحثه ومشرفه.

خامسا: الاستفادة من مهارات طلاب الدراسات العليا في أي مجال من مجالات التطوير بأن يقدموا خدمات تدريبية وتعليمية تطوعية لزملائهم ولطلاب الجامعة ضمن متطلبات تلك المرحلة ويشرف القسم المختص على نوعية وملاءمة تلك البرامج.

سادسا: أن يكون لدى الجامعات مراكز خدمات بحثية تقدم للطلاب ما يحتاجونه مثل التحليل الإحصائي والتدقيق اللغوي والتنسيق والترجمة بحيث يعود ريعها للجامعة ويطمئن الطلاب لجودة ما يقدم.

وفي الختام.. على طالب الدراسات العليا أن يتهيأ بشكل مناسب لهذه المرحلة بكافة جوانبها، وعلى الأقسام العلمية في الجامعات أن تستثمر فيه الاستثمار الأمثل، وإن هذا التكامل سينعكس أثره على الطالب والجامعة، وعلى المجتمع والوطن في المستقبل.

salehsalmanalen@