التوراة الحجازية اختراق صهيوني جديد
الأحد - 08 يناير 2023
Sun - 08 Jan 2023
في أكثر من مقال، وأكثر من دراسة علمية، وأكثر من لقاء متلفز، ذكرت وبوضوح بأن صراعنا القادم مع إسرائيل سيكون على التاريخ بشواهده ووثيقته وسرده الروائي، وأنها تعمل جاهدة إلى تحويل أسطورتها إلى تاريخ، في الوقت الذي بإهمالنا وتدميرنا لشواهدنا التاريخية نحول تاريخنا إلى أسطورة للأسف.
إذن سيكون الصراع مستقبلا حول المعلومة التاريخية التي لم نعبأ لها، ولم نهتم لتوثيقها بشكل علمي، وصار التاريخ مستباحا لكل هاو وعابث، ناهيك عن ضعف كثير من دارسيه وجمودهم العلمي ضمن قوالب ميتة علميا، في الوقت الذي أدرك فيه المجتمع الغربي والصهيوني بخاصة أهمية امتلاكه للمعلومة التاريخية، واستوعب عظيم قيمتها لتحقيق مشاريعه الاقتصادية والسياسية على المديين القريب والبعيد، وآمن بأن المعلومة التاريخية وصناعة محتوى الذاكرة الجمعية هو أحد مصادر القوة الناعمة.
من أجل ذلك سعى الصهاينة لتثبيت أبعاد معرفتهم بشخوص مختلف الأحداث التاريخية ضمن إطار تراثنا المكاني والزماني، ليعمل باحثوهم على دراستها وتحليلها وإعادة بنائها بالصورة التي تتناغم مع توجهاتهم في المنطقة.
وهو أمر خطير جدا إذا ما أدركنا أن تغييب الذاكرة يسهم في تكريس حالة الاستلاب، ويعطي الآخر القدرة على السيطرة الذهنية وكتابة التاريخ، ومن يملك القدرة على التحكم في محتوى صندوق الذاكرة، سيخط بثبات وثيقة انتصاره حضاريا، وهو ما تسعى له باهتمام إسرائيل التي توسعت في إنشاء حاويات الفكر ومراكز الرأي لتصنع معرفة تخدم توجهاتها في استلاب الآخرين، ومن تلك المراكز: «معهد بن تسفي للدراسات اليهودية» الذي تأسس عام 1948م ويهدف إلى صبغ الهوية اليهودية على فلسطين. و«معهد موشي ديان للدراسات الأفريقية ودراسات الشرق الأوسط» الذي تأسس في عام 1959م ويتبع كلية الدراسات التاريخية بجامعة تل أبيب. و«أكاديمية العلوم التاريخية في جامعة تل أبيب» التي اهتمت بدراسة المعارك الإسلامية وفقه الجهاد.
و«معهد الدراسات الشرقية بالقدس» الذي جمع سجلا ضخما للشعر العربي القديم، وأنشأ معجما عربيا عبريا، ورصد اللهجات الفلسطينية العامية، وعمل على ترجمة القرآن إلى العبرية، وكتابة سيرة النبي محمد، كما قدم العديد من الرسائل في موضوعات متنوعة كشاخص مقام إبراهيم، والإعجاز في القرآن، وفريضة الحج، وأركان الإسلام، وغيرها.
أشير إلى إيمان الصهاينة اليهود بإقامة دولة إسرائيل الكبرى التي حدد «سفر التكوين» حدودها بأنها الأرض التي أعطيت لأبناء إبراهيم من ذرية إسحاق، من نهر النيل بمصر إلى نهر الفرات، لتضم كل الأراضي العربية الحالية وهي مصر وفلسطين المحتلة وكل دول بلاد الشام والعراق وكل دول الجزيرة العربية ومعظم تركيا حاليا.
ولتحقيق الأمر لابد من التهيئة التاريخية، وهو ما يقوم به كتاب «التوراة الحجازية تاريخ الجزيرة المكنوز» لمؤلفه محمد منصور وغيره من الكتب المماثلة، والتي كان مبتدأها كتاب «التوراة جاءت من جزيرة العرب» لكمال الصليبي، واللذين أسسا لفكرة صهيونية مفادها أن كل أرض الجزيرة العربية بما فيها مكة المكرمة والمدينة المنورة هي أرض توراتية سكنها إبراهيم وذريته من ابنه إسحاق ويعقوب تحديدا، وبالتالي فطبيعي مستقبلا أن تعود الأرض لأصحابها التاريخيين، لاسيما مع تقعيد كتاب «التوراة الحجازية» بأسلوب عبثي وغير علمي أبدا لنفي كل ذرية إسماعيل بن إبراهيم، وأنهم في الأساس ذرية العيص بن إسحاق الملقب بعدنان. وقوله بأن مدينة دمشق هي نجران، وأن نوح وطوفانه كان في أرض الحجاز، إلى آخر ما ساقه الكتاب من ترهات لا يمكن قراءتها ضمن إطارها العلمي أبدا، بل هي من العبث الذي قصد الإسرائيليون جس نبضنا به، ليعرفوا أين وصلنا من التسطيح، وللأسف فقد جرى مجراهم بعض قومنا
بجهل وتم طباعة كتبهم بدعم من مؤسسات شبه رسمية.
أخيرا فقد فندت ما يسمى كتاب التوراة الحجازية في تغريدات متصلة يمكن الاطلاع عليها بموقع تويتر، مع رجائي أن تتخذ الدار العربية العريقة التي نشرت الكتاب موقفا منه فتعمد إلى التخلي عنه دعما لقضيتها العربية، ورفضا لما يرمي إليه الصهاينة ومن لف لفهم من أبنائنا البسطاء.
أختم بالتذكير بأن فئة من اليهود من بعد السبي البابلي الثاني قد استوطنت أرجاء ممتدة من سلسلة جبال السروات إلى اليمن مدة 1600عام تقريبا، وعاشوا بكرامة وأمان، ثم حين بدأت الوكالة اليهودية عام 1950م بنقل اليهود إلى إسرائيل في عملية بساط الريح أو جناح النسر وفق اللفظ التوراتي، غادر اليهود غير آسفين على أرض عاشوا فيها بسلام، ولم يقل أحد من أحبارهم بأنها مستودع سرهم وقاعدة تاريخهم التلمودي، فهل من عاقل فيسمع؟ وفهيم فيرعوي؟
zash113@
إذن سيكون الصراع مستقبلا حول المعلومة التاريخية التي لم نعبأ لها، ولم نهتم لتوثيقها بشكل علمي، وصار التاريخ مستباحا لكل هاو وعابث، ناهيك عن ضعف كثير من دارسيه وجمودهم العلمي ضمن قوالب ميتة علميا، في الوقت الذي أدرك فيه المجتمع الغربي والصهيوني بخاصة أهمية امتلاكه للمعلومة التاريخية، واستوعب عظيم قيمتها لتحقيق مشاريعه الاقتصادية والسياسية على المديين القريب والبعيد، وآمن بأن المعلومة التاريخية وصناعة محتوى الذاكرة الجمعية هو أحد مصادر القوة الناعمة.
من أجل ذلك سعى الصهاينة لتثبيت أبعاد معرفتهم بشخوص مختلف الأحداث التاريخية ضمن إطار تراثنا المكاني والزماني، ليعمل باحثوهم على دراستها وتحليلها وإعادة بنائها بالصورة التي تتناغم مع توجهاتهم في المنطقة.
وهو أمر خطير جدا إذا ما أدركنا أن تغييب الذاكرة يسهم في تكريس حالة الاستلاب، ويعطي الآخر القدرة على السيطرة الذهنية وكتابة التاريخ، ومن يملك القدرة على التحكم في محتوى صندوق الذاكرة، سيخط بثبات وثيقة انتصاره حضاريا، وهو ما تسعى له باهتمام إسرائيل التي توسعت في إنشاء حاويات الفكر ومراكز الرأي لتصنع معرفة تخدم توجهاتها في استلاب الآخرين، ومن تلك المراكز: «معهد بن تسفي للدراسات اليهودية» الذي تأسس عام 1948م ويهدف إلى صبغ الهوية اليهودية على فلسطين. و«معهد موشي ديان للدراسات الأفريقية ودراسات الشرق الأوسط» الذي تأسس في عام 1959م ويتبع كلية الدراسات التاريخية بجامعة تل أبيب. و«أكاديمية العلوم التاريخية في جامعة تل أبيب» التي اهتمت بدراسة المعارك الإسلامية وفقه الجهاد.
و«معهد الدراسات الشرقية بالقدس» الذي جمع سجلا ضخما للشعر العربي القديم، وأنشأ معجما عربيا عبريا، ورصد اللهجات الفلسطينية العامية، وعمل على ترجمة القرآن إلى العبرية، وكتابة سيرة النبي محمد، كما قدم العديد من الرسائل في موضوعات متنوعة كشاخص مقام إبراهيم، والإعجاز في القرآن، وفريضة الحج، وأركان الإسلام، وغيرها.
أشير إلى إيمان الصهاينة اليهود بإقامة دولة إسرائيل الكبرى التي حدد «سفر التكوين» حدودها بأنها الأرض التي أعطيت لأبناء إبراهيم من ذرية إسحاق، من نهر النيل بمصر إلى نهر الفرات، لتضم كل الأراضي العربية الحالية وهي مصر وفلسطين المحتلة وكل دول بلاد الشام والعراق وكل دول الجزيرة العربية ومعظم تركيا حاليا.
ولتحقيق الأمر لابد من التهيئة التاريخية، وهو ما يقوم به كتاب «التوراة الحجازية تاريخ الجزيرة المكنوز» لمؤلفه محمد منصور وغيره من الكتب المماثلة، والتي كان مبتدأها كتاب «التوراة جاءت من جزيرة العرب» لكمال الصليبي، واللذين أسسا لفكرة صهيونية مفادها أن كل أرض الجزيرة العربية بما فيها مكة المكرمة والمدينة المنورة هي أرض توراتية سكنها إبراهيم وذريته من ابنه إسحاق ويعقوب تحديدا، وبالتالي فطبيعي مستقبلا أن تعود الأرض لأصحابها التاريخيين، لاسيما مع تقعيد كتاب «التوراة الحجازية» بأسلوب عبثي وغير علمي أبدا لنفي كل ذرية إسماعيل بن إبراهيم، وأنهم في الأساس ذرية العيص بن إسحاق الملقب بعدنان. وقوله بأن مدينة دمشق هي نجران، وأن نوح وطوفانه كان في أرض الحجاز، إلى آخر ما ساقه الكتاب من ترهات لا يمكن قراءتها ضمن إطارها العلمي أبدا، بل هي من العبث الذي قصد الإسرائيليون جس نبضنا به، ليعرفوا أين وصلنا من التسطيح، وللأسف فقد جرى مجراهم بعض قومنا
بجهل وتم طباعة كتبهم بدعم من مؤسسات شبه رسمية.
أخيرا فقد فندت ما يسمى كتاب التوراة الحجازية في تغريدات متصلة يمكن الاطلاع عليها بموقع تويتر، مع رجائي أن تتخذ الدار العربية العريقة التي نشرت الكتاب موقفا منه فتعمد إلى التخلي عنه دعما لقضيتها العربية، ورفضا لما يرمي إليه الصهاينة ومن لف لفهم من أبنائنا البسطاء.
أختم بالتذكير بأن فئة من اليهود من بعد السبي البابلي الثاني قد استوطنت أرجاء ممتدة من سلسلة جبال السروات إلى اليمن مدة 1600عام تقريبا، وعاشوا بكرامة وأمان، ثم حين بدأت الوكالة اليهودية عام 1950م بنقل اليهود إلى إسرائيل في عملية بساط الريح أو جناح النسر وفق اللفظ التوراتي، غادر اليهود غير آسفين على أرض عاشوا فيها بسلام، ولم يقل أحد من أحبارهم بأنها مستودع سرهم وقاعدة تاريخهم التلمودي، فهل من عاقل فيسمع؟ وفهيم فيرعوي؟
zash113@