سارة مطر

ضحايا الوحدة في خوالي الكورونا

السبت - 07 يناير 2023

Sat - 07 Jan 2023

تحدث ذات مرة أحد الزملاء الوافدين على هذه الأرض الطيبة، الذين كانوا أثناء جائحة كورونا بعيدين عن أوطانهم وأسرهم، أنه قد أحس بأعراض وإجهاد غير طبيعيين، فانتبه إلى أن هناك خدمة يوفرها أحد المواقع عبر الإنترنت، تسمح له بالتواصل مع عدد من الأطباء بشكل مجاني، يحكي الزميل أنه لم يكن ليصدق ذلك حتى بادر إلى التواصل مع أحد الأطباء من خلال الموقع، يقول تجاوزت المحادثة حوالي الـ45 دقيقة، وكان الطبيب متفهما وواعيا لحاجة الزميل للحديث عن ما يحس به وما يدور في خلده، حيث كان يعيش في حالة من الهلع تصيب البعض بسب اضطرابات القلق ويصاب فيها الشخص بهجمات مفاجئة من الذعر أو الخوف بشكل منتظم وفي أي وقت، وغالبا بدون سبب واضح.

اعترف الزميل أن كورونا جعلته منعزلا رغما عنه عن أفراد أسرته التي تعيش في مكان آخر من العالم، وكان يعيش مرارة الوحدة بمفرده، وهو ما عاشه الكثيرون رغما عنهم، والسبب معلوم للجميع، فلولا هذه العزلة لانتشر المرض بشكل أوسع وأصيب في القاصي والداني، لكن تمت محاصرة هذا الفيروس بالحذر من الاختلاط إلى جانب النظافة الشخصية باستمرار.

عدنا لحياتنا الطبيعية لكن زميلنا سالف الذكر، لا يزال يتذكر ما عاناه من وحدة وشعوره المكلوم لافتقاد أسرته طوال الجائحة، والحديث عن الزميل وفيروس كورونا جاء في ذهني وأنا أقرأ عن آخر الإحصائيات التي تلقتها خطوط الرعاية النفسية في ألمانيا لهذا العام، تتعلق بموضوع الشعور بالوحدة، حيث أظهرت الإحصائية أن نحو 25% من المكالمات كانت تتعلق بالوحدة، وقال رئيس مجموعة عمل الرعاية النفسية الهاتفية على مستوى ألمانيا، لودجر شتورش، إن منذ بداية جائحة كورونا كانت تذكر هذه المشكلة مرارا وتمس جميع الفئات العمرية، الآن الكثيرون يواجهون مشكلة في إعادة التواصل مع أشخاص آخرين، بحسب البيانات، حيث استطاع هذا الفيروس أن ينهي العلاقات غير المتينة على مدار فترة كورونا، وإجمالا تصل إلى حوالي 1.2 مليون شخص بخدمة الاستشارات النفسية عبر الهاتف في 2022، وهو عدد مماثل للعام السابق، وأجاب حوالي 7700 متطوع على حوالي 43,000 رسالة بريد الكتروني و37,000 محادثة.

التصاقنا الأسري وابتعادنا المفاجئ عنهم أشبه كما يشتاق الجائع إلى الخبز، نحن نشعر أن انتماءنا الأسري وتعاضدنا القبلي أهم من أي شيء آخر، لذا تساوينا في مقدار الألم مع الجزء الغربي الذي أخافته الوحدة كما أخافت زميلي، أن يكون بلا عمة أو جدة أو شقيقة أمر كان يصعب عليه تخطيه، وخصوصا الذين يعملون بعيدا عن أسرهم، ويحددون أوقاتا معينة إلى اللقاء سواء في البلد المضياف أو البلد الأم.

لا تستغرب من هؤلاء الذين لم يستطيعوا أن يتجاوزا محنة كورونا، لا بد أن يكون هناك خلل ما، وعلينا ألا نحقر مثل هذه المشاعر الطبيعية، وألا نختزل الأفكار العتيقة عن الحياة بل ننظر بشكل أكثر اتساعا وقدرة على الفهم لما يعانيه ضحايا الكورونا.