فيصل الشمري

الجغرافيا السياسية لسنة 2023

الأربعاء - 04 يناير 2023

Wed - 04 Jan 2023

إن أي محاولة من قبل المعلقين السياسيين للتنبؤ بما سوف يقع من أحداث في عام 2023 يجب أن تكون بدايتها من كيف انتهى عام 2022؟

شهد العام الماضي على الأقل البدايات لأربعة توجهات جيوبوليتيكية، والتي سوف تستمر خلال العالم الذي استهل منذ قليل، وربما سوف تستمر تلك الاتجاهات في الأعوام المقبلة، وهذه التوجهات هي: الحرب الروسية - الأوكرانية، الاضطرابات التي تجتاح إيران والتي تتمثل في اتساع حركة الاحتجاجات لتشمل كل أرجاء ذلك البلد، وهناك أيضا الموقف غير المستقر في العراق، وأخيرا هناك المشاكل التي تختبرها حركة طالبان في حكم أفغانستان.

وبالطبع يستطيع أي محلل سياسي أن يسرد العديد من التوجهات الجيوبوليتيكية والتي سوف يكون لها تأثيرات هامة من ناحية الجغرافيا السياسية؛ لكن من الأفضل أن يكون هناك تركيز على الأمور الهامة من الناحية الاستراتيجية، وأن يتم اختيار التغيرات الجيوبوليتيكة الهامة والتي سوف يكون لها أولويات استراتيجية على العالم الإسلامي، والشرق الأوسط، ومنطقة الخليج.

إن الحرب بين روسيا وأوكرانيا ستستمر، وربما يطالب الرئيس بوتين من أوكرانيا التصريح بإعلان بألا تقوم أوكرانيا بدعم أي خطة تكون ضارة بمصالح الأمن القومي لجمهورية روسيا الاتحادية.

لن يكون هذا أمرا سهلا بالنسبة للحكومة الأوكرانية، كما أن إدارة الرئيس بايدن سوف تكون مترددة في قبول أي اقتراح روسي لوقف القتال بناء على الشروط الروسية، لكن ستعاني الكثير من دول الشرق الأوسط من جراء استمرار الحرب ما بين روسيا وأوكرانيا؛ حيث إن استيراد العديد من السلع من هاتين الدولتين توقف، وعليهم استيراد تلك السلع بسعر أعلى ومن موردين آخرين.

كما أنه من الأهمية أيضا بالنسبة للعديد من دول الشرق الأوسط أن تشاهد إذا ما سوف يكون هناك اختلافات ما بين أوروبا وأمريكا عن كيفية وضع نهاية للحرب الروسية - الأوكرانية.

ستمر الاقتصاديات الأوروبية بمرحلة ركود في خلال عام 2023، وقد تكون هذه فرصة للعديد من الأقطار العربية لأن تصدر للأوروبيين السلع والخدمات التي يحتاجونها والتي سيكون سعرها أقل من سعر السوق، لكنها إحدى الطرق التي بإمكانها أن تحصل تلك الدول على العملة الصعبة، ومن ثم، فقد يسفر هذا عن تخفيض لسعر الدولار والذي يشهد ارتفاعا ملحوظا أمام العملات الوطنية وبالذات لبلدان مثل مصر ولبنان والعراق.

التطور الجيوبولتيكي الثاني هو الوضع المتدهور داخل إيران، سوف تكون هناك زيادة في أعداد وأحجام حركات الاحتجاج، سوف يمثل هذا مشكلة بالنسبة لإدارة بايدن؛ فمازال الرئيس بايدن يرغب في توقيع اتفاق مع إيران بخصوص برنامجها النووي، لكن من الناحية الأخرى سيقوم نظام آيات الله بتوقيع عقوبات قاسية على المحتجين في إيران، وسيكون الرئيس بايدن عرضة لضغوط عديدة من مصادر مختلفة لمعاقبة إيران بسبب معاملتها السرية للاحتجاج السياسي، لكن حتى الآن فإن الأمور ليست واضحة في كيف ستتعامل إدارة بايدن مع إيران.

أما عن التحدي الجيوبوليتيكي الثالث فهو الموقف داخل العراق، هناك بعدان للازمة الحالية في العراق.

هناك التدعيم للكتل السياسية-الطائفية والذي يعمق من انقسام هذا البلد، وهناك أيضا حركة الاحتجاج ضد الفساد وظروف المعيشة السيئة، ولا يمتلك أي رئيس وزراء عراقي من القوة لتطبيق الإصلاحات الضرورية لتغيير الأوضاع إلى الأحسن في هذا البلد.

ونتيجة لهذا، ربما تحاول إيران التدخل داخليا في العراق لخلق مشاكل أكثر له، ومازالت أمريكا مسؤولة عن أمن العراق، وقد يعني هذا تورط أمريكي أكثر في العراق، وقد يأخذ شكل هذا التورط الأمريكي العسكري في العراق نمط مساعدة قوات الأمن الداخلية في العراق في التعامل مع التظاهرات والتي تطالب بتغيير أفضل في العراق.

ومن سخرية الأمور، أن عام 2023 سيكون الذكرى العشرين لعملية «الحرية للعراق». ومازالت أمريكا متواجدة في العراق، ومازال العراق ساحة لحرب بالوكالة ما بين الولايات المتحدة وإيران.

وأخيرا، أفغانستان أصبح من الصعب حكمها.. حركة طالبان لا تستطيع أن تسيطر على أفغانستان، وهذا سيدعو دولا أخرى للتدخل في أفغانستان، وقد يكون هناك إجماع استراتيجي ما بين روسيا والصين وباكستان لجعل باكستان دولة تتدخل أكثر في أفغانستان لتحقيق الاستقرار.

وأيضا، قد تحاول إيران التدخل في أفغانستان، لكنها قد تفضل عدم التدخل في هذا البلد الفقير حتى تتجنب تحدي تلك الدول الثلاث.

وقد تنجح باكستان في إحلال النظام والقانون في أفغانستان.

التغيرات في السياسة الدولية قد تحدث في مناطق عدة، قد تكون هناك تغيرات سلبية، وقد تكون هناك تغيرات إيجابية، بالإضافة قد تكون هناك تطورات غير متوقعة، وعلى سبيل المثال، فإن الحالة الصحية للرئيس بايدن غير معروفة، ولا أحد يعلم ما هو مستقبل الرئيس السابق دونالد ترمب.

لكن الأمور الأكثر أهمية فيما يتعلق بالوقائع السياسية لعام 2023 هو أن العديد من دول العالم أصبحت قادرة على أن تحدث تغيرات في السياسة الدولية بدون تدخل أو نفوذ من قبل أمريكا.

mr_alshammeri@