علي المطوع

دروس وعبر من بطولة العالم في قطر

الاحد - 25 ديسمبر 2022

Sun - 25 Dec 2022

بطولة استثنائية في كل شيء، بطولة صاحبتها الشكوك قبل أن تبدأ وبعد أن بدأت، وستظل محل شد وجذب وجدل لعقود قادمة، بطولة كسب الخليجيون والعرب من ورائها الكثير، ولعل أثمن ما يمكن أن يقال هو الشعور العربي الأصيل والذي عادة ما تفرقه السياسة ودهاليزها ومنعطفاتها ومنعرجاتها، لكن كرة القدم في بطولتها الأشد ونسختها الأهم أعادت ترميم تلك المشاعر السوية، وجددت نصب ذلك الشعور النبيل الذي عاد من بوابة كرة القدم في دوحة قطر.

دروس وعبر تجلت في هذه البطولة، وينبغي ألا تمر مرور الكرام بل ينبغي -لا على الحكومات فحسب- ولكن على كل من يحمل هم مجتمعه، أن يعيد النظر في ما كان وما أصبح قبل وبعد تلك البطولة، وهذا بالطبع مسؤولية المفكرين والمثقفين وصناع المحتوى، الذين يستطيعون التأثير في المجتمعات وإعادة ضبط مفاهيمهم بما يتواءم مع هذه الدروس الكبيرة والجديرة بأن تحفظ وتعلم وتعلّم.

1 - أول هذه الدروس هي نظرة الغرب المتغطرس لكل ماهو عربي، فقطر وعدت بأن تكون هذه البطولة استثنائية في كل شيء

وقدمت وبذلت، وتنازلت وتجاسرت، ومع ذلك لم تسلم من نيران الغرب وتجاوزاته غير المنضبطة، وهذا يؤكد أن العربي في ميزان الغرب لا يعدو أن يكون شيئا هامشيا ضرره أكثر من نفعه، وهنا تأتي حقيقة الآخر المرة، ومفادها أن الغرب لا يرى العرب أمة تستحق الحياة فضلا عن أن تسهم في الحضارة الإنسانية بناء وعلما وإنتاجية!.

2 - كشفت هذه البطولة أن الهامش بين العربي الموهوب والغربي المتعجرف يكاد يكون متقاربا، إن لم يكن العربي أفضل بمراحل كثيرة متى ما توافرت الفرص المواتية لإبداعه، فالسعودية هزمت البطل الذي استحق التتويج، وتونس سجلت حضورها الأهم في تاريخ هذه البطولة على حساب فرنسا بطلة النسخة السابقة، والمغرب كذلك كان الحصان الأسود للبطولة والذي استطاع الوصول إلى أدور متقدمة لم يبلغه أي منتخب آسيوي أو أفريقي من قبل.

3 - الهوية العربية والإسلامية حضرت على وجل في هذه البطولة، وقد استطاع القطريون بذكائهم الإعلامي استحضار شيء من معالم تلك الهويات في بعض الأزياء التقليدية، وشيء من المبادئ الإنسانية السوية، وخاصة تلك التي ترفض المثلية وصورها وتصوراتها البغيضة، وما مشلح ميسي إلا اللقطة الفارقة التي ستظل راسخة في الوجدان الإنساني ما بقيت الكرة.

أما الدرس المستفاد فهو أن مثل هذه التظاهرات العالمية وسيلة مثلى لتسويق وتسويغ بعض قيمنا ومفاهيمنا الأصيلة، من خلال الطرح الإعلامي البناء الذي يستطيع مخاطبة المختلف بطريقة تجعله يحترم تلك القيم والمبادئ ويتعايش معها.

3- التكامل الخليجي وضحت وتجلت ضرورته في هذه المناسبة وخاصة بين السعودية وقطر، فالتدفق الجماهيري السعودي أعطى للبطولة خصوصيتها العربية، والتعاون بين الحكومتين وصل إلى ذروته، وهذا يؤكد أن دول المجلس بتكاملها تستطيع صنع الفارق الذي يستوقف التاريخ ويعكس التطور والازدهار الذي تعيشه تلك الدول.

4 - من الناحية الاقتصادية يمكن لدول المجلس كافة أن تسهم وتستفيد من مثل هذه التظاهرات، شريطة التنسيق المسبق المبني على الرؤى المتكاملة والناضجة البعيدة عن الأحلام الوردية التي لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع، فدول المجلس قادرة على صنع رفاه اقتصادي لمواطنيها يدفع بالاقتصاد إلى مستويات مميزة من الربحية والنماء، وهذا لا يكون إلا من خلال خصوصية كل بلد وقدرته على الانطلاق والمساهمة بإمكاناته ومكانته وأصالته وقدراته.

5 - التنسيق الإعلامي بين الدول في مثل هذه المناسبات ضرورة تقتضيها الصنعة الإعلامية وضرورات شعوب المنطقة، فدول المنطقة تملك منظومات إعلامية متطورة لكن تأثيرها مازال محصورا داخل النطاق العربي ولم تستطع حتى اللحظة أن تصنع فارقا يجسد ويعكس الصورة المثلي للعرب عموما ودول الخليج خاصة.

6 - التفكير الجدي في استضافة بطولات وأحداث مجمعة، تجتمع فيها الجهود والخبرات والتكامل الذي يفضي إلى ذلك المنجز المأمول بين الشعوب والحكومات.

إن الملاءة المالية التي تعيشها دول الخليج والفكر الجديد الذي بات يؤطر كثيرا من مناحي السياسة والاقتصاد، لينبئ بصورة مثلى لحضور خليجي قادم ومختلف، يعطي للجميع حقهم من الألق والحضور والتميز، شريطة ترجمة تلك الأفكار الإيجابية إلى مشاريع جديدة وجريئة أفعال تنعكس على الحياة الاجتماعية والاقتصادية لدول المجلس وشعوبه.

7 - بطولات كأس الخليج فرصة لإعادة ضبط مفاهيم وإعدادات المناشط الرياضية، وتحويل تلك المناسبة إلى بطولة تتجاوز كرة القدم ومنافساتها، لتصير مواعيد دورية يعاد فيها دراسة الفرص الرياضية المتاحة، وزيادة فرص التعاون على الصعيدين الرياضي والثقافي والاجتماعي، لتخرج أجيالا مميزة قادرة على حمل تلك الرسائل الإيجابية التي نرجو رواجها بين الشعوب والأمم المختلفة.

وفي الختام نذكر ونذكر أن كل ما سبق ذكره وما لم يتسع المجال لرصده، تظل مجرد أمنيات لخليجي متفائل يرجو الخير للخليج وأهله، وهذه الأمنيات لن تتحقق إلا من خلال تنسيق وتعاون مثمر ينعكس على مناحي الحياة المختلفة، فالتجارب تؤكد أن دول الخليج في ميزان الآخر وعقله، تظل صورة مشوهة وتصور مشترك، ينطلق من فكرة واحدة، مفادها أنها بلدان تملك ما لا تستحق، وإن اعتدلت هذه الفكرة أو عُدلت فإنها ستكون؛ إن دول الخليج تملك أكثر مما تستحق!.

alaseery2@