محي عبدالله القرني

سطور قبل الغروب

السبت - 24 ديسمبر 2022

Sat - 24 Dec 2022

لحظات من السكون وحديث في أعماق الذات بين الألم والأمل، تصارع الأفكار وهروب من الواقع إلى ميادين النسيان، نطرد وراء خيوط السراب لعلنا نجد في المستحيل مقعدا وخلف ركام الوهم طريقا.

جفاف الفهم وشرود الذهن خارج حدود القدرة والنظر إلى شريط العمر وهو يركض باتجاه المجهول آيات تذكر.

على ضفاف نهر الحياة نعلق الأبصار بأستار الأفق، ونتصفح كتاب الكون الفسيح، يلتصق السمع بحنجرة طائر وهو يغرد بأمان، وتلتحف المشاعر بدثار الأماني وهي ترى الوجود يسير بلا توقف، وينطلق الخيال متجاوزا حدود المكان في رحلة سفر خلف القارات التي رسمها لنا البشر، تعانق الروح أطياف ليس لها في الواقع وجود، ويمتزج الحلم مع طيف عابر يتوارى بين السحب.

الخسارة والحرمان والألم والمواقف الصعبة التي تقتلنا مرات متعددة بلا رحمة، هي أجزاء من الحياة التي نعيشها وهي قطعة من التكوين ومقررات أساسية في أكاديمية العيش، علينا تقبلها مهما كانت درجة صعوبتها.

الامتنان بما لدينا وتكبير العدسة على النعم التي في إطار ملكيتنا، هي بلسم الجرح ودواؤه، والبعد عن المقارنات البائسة خارج حدودنا وإمكاناتنا هي النور التي تضيء الدروب المظلمة.

اليقين الخالص وامتزاج الروح مع خالقها في أي مكان وزمان، سواء داخل أنفاق الحياة الملتهبة أو في رحابها الممتعة، تطرد فلول الانهزامية المميتة والوهن القابع في دواخلنا.

العطاء والبذل بلا مقابل، والقيام على حاجات الناس وقضاؤها دون إلحاق الأذى بهم تصريحا أو تلميحا، يعد نبراس الحياة ووقودها وبركة العيش الهانئ.

ننغمس في كتب فلسفية ذات استراتيجيات غريبة، تعج رائحة الإلحاد من بين سطورها، وندمن فنون الشرق والغرب في الاسترخاء والتأمل وإدارة الغضب وسبر أغوار طاقة الأحجار، لعلنا نجد الشفاء في مذكرات حكيم وداخل قاعات الاستحلاب المالي، ونرمي الإعجاب في أحضان الروايات الناعمة التي لها جذور ومعتقدات فكرية وأيديولوجية ظاهرها فيها الرحمة وباطنها سعير نار ملتهب.

نعلم يقينا أن الحكمة ضالة المؤمن أنّا وجدها فهو أولى الناس بها؛ ولكن علينا استحضار الوعي فيما نقرأ أو نشاهد ونتقن فن القص والبتر لكل داء ينخر الجذور، ويميت ما أودعه الله في القلوب.

سطع وهج الثقافات المتعددة واندمج البعيد مع القريب، وتسارع الزمن حتى أصبحنا كجراد نار تتساقط القيم سراعا، وتتحلل المعتقدات تباعا تحت مظلة التطور المعرفي دون قيود ولا حدود.

عذرا يا قرآن الهدى، فقد علاك الغبار في مساجدنا وأصبحت حبيس الأدراج في بيوتنا، وهجرناك رغم علمنا.

اللهم ردنا إليك ردا جميلا، فقد بلغ التقصير منا مبلغه، وأخذ الجهل مأخذه، ونحن في حانات العمى وميادين الغفلة نستقي.