سارة مطر

في بيتنا فاشينيستا صغيرة

السبت - 17 ديسمبر 2022

Sat - 17 Dec 2022

تؤلمني مشاعر المراهقة الصغيرة الصاخبة حتى الموت، تلك التي لا تفضل أن تغسل شعرها، وتلبس نظارتها الشمسية في «عز الليل»، تلك التي تتلقى الصراخات والتأنيب من الجميع، فهي كسولة وتتلذذ بالكذب، طبعا ذلك كان قبل أربعة أعوام على ما أظن، ولكن بعد أن وصلت إلى 8806652 كذبة، دعوناها للتوبة والتقرب إلى الله بالعبادة والذكر، وفي فترة ما كنت أجدها تنوح في حضن أمها كطفلة صغيرة؛ لأنها لم تفلح في أداء أحد الإعلانات كما يجب.

وقفت حينها في الظل مشدوهة تخيلتها بلا مشاعر مثلنا؛ لأنها من تُصدّر لنا هذه الشخصية الضحوكة، فهي على الدوام مؤمنة بأفكارها وقدراتها، وألا شيء يمكن أن يعوق طريقها، وتتحدث كثيرا عن الكاريزما كخبيرة، وكيف لك أن تجذب شريك حياتك في 5 ثوان، وتطيل الحديث مع والدتي عن الشاكرات في جسم الإنسان، وأفضل الأيام لقص الشعر، وأمي لا تقف أبدا أمام طموح حفيدتها، وتؤكد على جملة الفنانة الشهيرة موضي الشهراني «عطه.. على جوه»، بالضبط هذا ما تفعله والدتي معها.

فاشينيستا البيت استطاعت بفضل جهودها الدائمة رغم تنمرنا الزائد لها - ولا تسألوني عن سبب التنمر- لكني أعتقد في كل بيت أو حي أو أي مكان ستجد من يترصدك ويظهر كل عقده السلبية عليك.

لكن صغيرة البيت وصلت تقريبا إلى نصف النجاح الذي كانت تنتظره بإرادتها وإيمانها بهذا الحلم، واستطاعت أن تغير صورتها السابقة كفتاة مستهترة وغير منظمة إلى شابة مختلفة. في الحقيقة، منذ أن كانت طفلة وكنت أجد فيها الإنسانة المختلفة، ولو سألتني ما أجمل ما في هذه الصبية، لقلت لك: «إنها استطاعت أن تغير مفهوم أفراد المجتمع عن المراهقات»، حيث استطاع المجتمع أن يضع يده بأيدهن ويقدمهن بكل فخر إلى مختلف المجتمعات كقائدات وملهمات. فعلا، لا شيء اسمه المستحيل. إنني لا أصدق أننا حتى هذه اللحظة، ننظر لصغيرتنا بفخر واعتزاز، وكيف كدنا أن نقضي على مستقبلها. ونحمد الله أنه قد جاء اليوم من يصفق لها عجبا وفخرا.

في الحقيقة، لا يمكن لي أن أنسى ذلك اليوم، الذي قدمت فيه الصغيرة أول إعلان كبير لها، كان يوما جميلا، فجأة ازرقّ وجهها، وجحظت عيناها، ورششنا عطرا على أرنبة أنفها، وخشينا عليها من الاستفراغ وآلام المعدة، والحمد لله مرت الأزمة الصحية بسلام، فقامت بعد أن ذكرت الله وصورت الإعلان، وتذكرت أنه إعلان وليست شوفة شرعية، استراحت وتنفست الصعداء، وبعد نشر الإعلان بدقائق، تسابقت جميع فتيات الأسرة لشراء المنتج، حتى نسوق لها إعلانها، «وإلا أحنا والله ما لنا في الثور ولا في الطحين».

قبيلتي الجميلة تشعر بفخر بوجود فاشينيستا محترمة مثل تلك الصغيرة، وحتى الآن لا يمكن مقارنة ملاعق وصحون وزيت القلي لهند القحطاني والذي من خلاله اشترت قصرها الفسيح، وسياراتها الفارهة، وملابس عيال الودعاني واستغلال نجلاء عبدالعزيز لبحة صوتها، وتلك اللي تعتقد بأن الأناقة هي في تطقيم ملابسها بالماركات، فأمام هوامير «السوشيل ميديا» نعتبر بنتنا «فقرانة» إلى حد ما.

ولنعد الآن إلى فاشينسيتا البيت ذات الطعم الجميل، من دون أن تعض على شفتها بانعدام الذوق العام وترن كلمتها الشهيرة «وش تقول تراني أنا وذ نكهة.. ماركة مسجلة»، انهمرت صغيرتنا في الإعلانات التجارية وأصبح المجتمع كله يعرفها على الأخص بتميزها في ارتداء العباءات. ألف مبروك يا صغيرتنا وعقبال ثروات كل المشاهير. لكن تخيلوا، أحد المطاعم عرض عليها تقديم إعلان عن عدد أصناف مطعمه، وبدلا من أن تجلس وسطنا ونتناول معها الطعام الشهي، للأسف صغيرتنا قامت بالهرب بالأكياس والكراتين لتتناوله في بيت إحدى صديقاتها، بينما نحن نطاردها «عودي لنا.. ارجعي»، ولكن ماذا نقول «عمك أصمخ» وليس باليد حيلة. ليتها تذكر لولا تنمرنا عليها لم تكن الآن تركض بأكياس الطعام المجاني!.