طامي الشمراني

المثقف الرقمي ولغة العصر

الاثنين - 12 ديسمبر 2022

Mon - 12 Dec 2022

لا شك أن الثقافة التكنولوجية المعاصرة قد أضحت سمة العصر الذي نعيش فيه، وقد فرضت هيمنتها على هذا الواقع بقوة حتى أمسى من العبث نكران ذلك، فقد وفرت وسائل التواصل الحديثة الوقت واختزلت المسافات حتى بات العالم بقبضة المتصفح بكبسة زر على الشاشة الزرقاء، مما أسهم بتوفير مساحات شاسعة من الحرية وكم هائل من المعارف والمعلومات في مختلف مجالات المعرفة والحياة البشرية.

ولعل من أبرز ما أفرزه ذلك على الساحة الثقافية مصطلح المثقف الرقمي، وهو المثقف القادر على إنتاج المعلومة / النص، ويمتلك مهارة تقنية عالية في الحصول عليه من منتجين آخرين؛ ولم يعد ذلك يحتاج من المثقف الجديد السفر أو بذل الجهد البدني والحركي عبر قطع المسافات للحصول على المعلومة المعرفية، بل بات كل ما يحتاج إليه هو وسائل بسيطة يسهل الحصول عليها، شاشة كمبيوتر أو هاتف نقال ووصلة إنترنت ليصبح العالم بين يديه من دون الذهاب إلى كتاب ورقي أو مركز ثقافي أو رحلة في طلب المعرفة.

ومن هنا بات الخروج من عباءة الثقافة التقليدية هو سمة ثقافية تسم المثقف الرقمي، وهذا ما ولّد عادات ثقافية جديدة بدأت تتحرر أو تتخلى عن طرق الثقافة التقليدية في الحصول على المعلومة، ومن هنا ولظروف موضوعية يفرضها العصر باتت الثقافة التقليدية في انحسار إن لم نقل في حالة موات، إذ لم يعد بوسعها مواجهة التحديات الهائلة التي يفرضها عصر التواصل الرقمي.

ولعلنا لن ننتظر طويلا حتى ندرك أن التعامل مع قضايا العصر والأمة تعاملا كلاسيكيا بات من سمات العصور العصور الآفلة التي لن تجدي نفعا في عصرنا الراهن، بغض النظر عن وجهة نظرنا الرافضة أو التي تقبل وتتماهى مع روح العصر.

وبناء على ما سبق فلا شك أن عصرنا بات يطرح مصطلحاته الخاصة ومفهوماته الخاصة، ومن هنا بات مصطلح المثقف الرقمي هو الذي يحظى بالرواج في هذا العصر، على أن يُفهم ذلك بمعناه الثقافي الإيجابي، أي المنتج للثقافة من خلال امتلاك أدواتها العصرية والتقنية، والقادر على التعامل مع ظواهر الحياة الجديدة بحرية مسؤولة وغير محدودة في آن، انطلاقا من كونها غير خاضعة لأي رقابة تقليدية إذا استثنينا رقابة الضمير، مما يتيح له الولوج في كل الموضوعات ومناقشة كل القضايا بمجرد أن يفتح شاشة العرض لديه.

إن طرح مصطلح المثقف الرقمي يقتضي بالضرورة تحديد هذا المصطلح بنقيضه الفوضوي أو غير المثقف، فلا شك أن ما أتاحته الثقافة الرقمية من ترك الحبل على الغارب جعل هذه المساحة التقنية متاحة لكل من يرغب من دون حواجز أو موانع.

وهذا ما يعني أننا سنكون أمام سيول من المعلومات والثقافة التي تحوي الغث والسمين، وتقع المسؤولية على القارئ في أحيان كثيرة للتمييز بينها، من دون أن ننكر أننا سنكون في مواجهة عسيرة عندما لا يكون المتلقي مسلحا بأدوات هذه الثقافة، إذ سيمسي الانبهار بهذه الثقافة عنصرا خطيرا في نشر ثقافة الركاكة والهبوط إلى أدنى مستوياتها، وهنا ستمسي مهمة المثقف الرقمي الجاذب للمتلقين ضرورية لمواجهة هذا الكم الهائل من السواد الذي غلفت بها الثقافات المتعددة والمتنوعة التي نواجهها يوميا على الشابكة العالمية، وبذلك تمسي الحاجة إلى دور حيوي لهذا المثقف في حياتنا ضرورة ملحة.