شاهر النهاري

عقول وأصوات ونبوءات

الاثنين - 12 ديسمبر 2022

Mon - 12 Dec 2022

عبر العصور أنتجت عقول أنوار ما لم يتسن للبشرية إنتاج كثرة منها، فوجدنا من كانوا يكتبون بوجودهم علامات فارقة، في التطور الإنساني، أحدثوا التغيرات العظيمة والقفزات الهائلة في ترقي العلوم والمعارف، بكونهم بشرا ليسوا كالبشر.

أفكار بنيت عليها ثقافات اليوم، ومعارفه وعلومه وصناعاته وتوقعاته، من خلال رموز لم تتمكن الأجيال من بعدهم تخطي أفكارهم إلا لما هو أفضل، وبعد عشرات الأجيال.

أرسطو، جاليليو، ابن سينا، ابن الهيثم، إسحاق نيوتن، ألفرد نوبل، توماس أديسون، مندل، داروين، باستير، ألكساندرو فلينمج، أينشتاين، زويل، ستيفن هوكينج، إلون ماسك، وآلاف غيرهم كانوا قافزين بعقولهم ومخترعاتهم وما صنعوه للبشرية من تقدم.

فما الذي يميز هؤلاء عن غيرهم، وهل عقولهم أكبر أو أكثر فاعلية؟

فدراسة مخ أينشتاين بعد وفاته في عمر السادسة والسبعين، أثبتت أنه يمتلك خلايا مخ شاب في الثلاثينات، ولم يتم دراسة أمخاخ البقية.

هل لديهم دورات دموية أكثر نشاطا، وحيوية ديناميكية هائلة غير مقارنة، أم أن صحة ستيفن هوكينج المتردية تُفشل وجود التميز البدني؟

هل لرغباتهم الجامحة في التعلم منذ الصغر أكثر من غيرهم دلالة مؤكدة، مع أن قصص عزوف بعضهم عن التعلم ينفي ذلك؟

فبالرغم من تسارع العلم وطرق التعليم والتقنيات الحديثة في عصرنا لم تغير نسبة النوابغ!

هل تخيلاتهم تختلف عن الآخرين بقدرتهم على الربط بين النقاط والخيالات وتحرير الممرات، وافتراض وجود ما بالعدم؟

هل للوراثة تدخل في تكوينهم كفواصل قفزات بحضارتنا البشرية، مع أن الكثير منهم لم يكن متحدرا من أسر فكرية علمية؟

هل لخصوصية المحيط تأثير مرئي ملموس في تكوين شخصياتهم، وبلوغهم لاكتشافات ومخترعات تفرد، مع العلم أن توماس أديسون، سبق ند له، بتسجيل مخترع الكهرباء بدقائق عدة؟

هل للتغذية والراحة والانتظام في الحمية ودورات تطوير الذات والبرمجة العصبية والقدرة على الكلام دور عظيم في ذلك، وحينها يحضر السؤال، فلماذا لا نرى من بين مدربي القوى الخاصة والمتحدثين والرياضيين تميزا علميا ونبوغا وتخيلا وتسابقا على ابتكار المخترعات.

هل للمعتقدات والمشاعر الروحية والدينية تأثيرها وتدخلها في تكوين عقلياتهم ونبوغهم؟ مع أن بينهم المتدين وغير المتدين والملحد.

ويأتي الأمر الأخير، الذي يتردد بصوت خافت، فمعظم هؤلاء النوابغ يتكلمون عن شبه إيحاء يحدث لهم من جهات مجهولة تزورهم في وحدتهم، وأنهم يشعرون بها تحدثهم وتنير طريقهم وتعطيهم لب النظرية وخيال الحل والمعلومات الخافية، التي ربما تظل سنين طويلة من بعد موتهم، دون أن يتمكن العلم من إثبات عكسها، كما يحدث لنظريات أينشتاين في يومنا.

أينشتاين كان يتحدث عن ضوء يأتيه من خلف ضوء شمعة يظل يسامرها، وكثير منهم يحكي عن أصوات كان يسمعها في داخل جمجمته، والبعض يحكي عن بعض التصورات والشخوص مما لا يمكن إثباته.

هل من يتحدثون معهم ويناقشونهم ومن يفتحون لهم أبواب الرؤية ملائكة أو شياطين، أو أنها مخلوقات فضائية تنتخبهم وتتواصل معهم من على البعد، وتيسر لهم التوصل للنبوءات بطرق أسرع فاعلية؟

وهنا كعرب سنتذكر شعراء وادي عبقر، ممن كانوا يسمعوننا عجائب الأبيات المجنونة، التي تزيد اللغط والحيرة والغزل والفخر والمديح، ولكنهم للأسف يظلون ظواهر صوتية لا يتوصلون إلى اختراع حياتي يفيد البشرية!

shaheralnahari@