ياسر عواد المغامسي

جاذبية مهنة التعليم

الاحد - 11 ديسمبر 2022

Sun - 11 Dec 2022

لعل من نافلة القول «إن المعلمين هم العنصر الأكثر أهمية في توفير تعليم عالي الجودة»، وهذا ما أكدته الدراسات في نتائج برنامج «قياس»، وفي عالم الجودة تأتي عبارة: لا يمكن لجودة نظام تعليمي أن تتجاوز جودة معلميه، لتؤكد هذه الأهمية لهذه المهنة العظيمة.

وهذا ما دفع الأنظمة التعليمية المتقدمة أن تجعل المعلمين هم حجر الزاوية في بناء نظام تعليمي متميز، وسببا رئيسا وراء أداء رفيع المستوى، وأن نقطة البداية لإصلاح التعليم وتطويره تنطلق من المعلم ومهنته، وضرورة إخراج مهنة التعليم من كونها بيئة طاردة إلى بيئة جاذبة للكفاءات، والعمل على تعزيز جاذبية مهنة التعليم، فعملت على استقطاب الكفاءات المتميزة واختيار معلميها من نخبة النخبة من الطلاب المتخرجين من المرحلة الثانوية، واهتمت بتعزيز جاذبية مهنة التعليم لدى شبابها، ففي دولة فنلندا مثلا تعد برامج تدريب المعلمين انتقائية للغاية، حيث تقبل طالبا واحدا فقط من كل عشرة طلاب يتقدمون إليها، وفي كوريا الجنوبية يتم قبول 5% من المتقدمين في برامج تدريب معلمي المرحلة الابتدائية، وفي سنغافورة تختار الوزارة معلميها من الثلث الأفضل من خريجي المرحلة الثانوية، ويقبل واحد فقط من كل ثمانية متقدمين للقبول في برنامج إعداد المعلمين.

ولكن يبقى التساؤل المطروح: كيف استطاعت هذه الدول تعزيز جاذبية مهنة التعليم لدى الشباب وخريجي الثانويات؟ وهل الجاذبية مرتبطة بالمرتب العالي للمعلم؟

نعود لتلك الأنظمة التعليمية التي تحدثنا عنها سابقا، لنجيب معكم على هذا الاستفسار ولكي نعرف ما الذي جعلها ترفع من سقف الاختيار لمعلميها، وكيف استطاعت أن تجذب النخبة من الشباب نحوها:

ففي فنلندا مثلا والتي تعتبر فيها أجور المعلمين عالية نوعا ما، ومنخفضة إذا ما قورنت بالأجور في بعض الدول الأوروبية الأخرى، ولكن أعطت المعلم مزايا في مهنته التي يعمل بها، ولعل من أهم المزايا هناك الاستقلالية المهنية لوضع خطة العمل المدرسي وتصميم المناهج الدراسية وعدم وجود مفتش خارجي (مشرف) يقيم عملهم، والمعلمون يمتلكون شعورا قويا بأنهم أصحاب مهنة مرموقة، هذا ما جعل مهنة التعليم هي مهنة الأحلام في فنلندا، وواحدة من أكثر المهن جذبا قبل الأطباء والمهندسين (Liitwn ,2004).

وفي كوريا الجنوبية تعد مهنة التدريس أكثر الخيارات المهنية شعبية لدى الكوريين بسبب المكانة الاجتماعية المرموقة والاستقرار المهني والأجر العالي، فمن بين 32 دولة جرى مسحها من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هناك دولتان فقط تدفعان رواتب أعلى مما تدفعه كوريا الجنوبية لمعلمي المرحلة الثانوية.

وفي سنغافورة مهنة التدريس مهنة محترمة جدا، ليس فقط لأن تقدير المعلمين جزء من ثقافة الشعب، بل لأن الجميع يعرف كم هو صعب أن يصبح المرء مدرسا، والكل يعلم أنه بفضل مدرسي سنغافورة يتبوأ طلبة سنغافورة أعلى المراتب في العالم.

واستنادا لما سبق يمكننا تلخيص أبرز العوامل والمحفزات لتعزيز جاذبية التعليم للشباب وخريجي الثانويات في ثلاثة أمور: الاستقلال المهني - المكانة الاجتماعية العالية - الأجر العالي.

وخير من هذا كله، ترغيب ديننا الحنيف على هذه المهنة العظيمة التي هي رسالة الأنبياء: تعليم الناس الخير، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله وملائكته حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلم الناس الخير).

ويروى عن أبي يوسف القاضي، تلميذ أبي حنيفة رحمهما الله: (إني لأدعو لأبي حنيفة قبل أبوي)، فرب دعوة صادقة من طالب أحسنت معاملته أو علمته ما ينفعه، فتحت لها أبواب السماء، فأصبت بها خير الدنيا والآخرة.

yasmh93@