زيد الفضيل

الحقيقي والمزور في حكاية الباهلي مع الصين

السبت - 10 ديسمبر 2022

Sat - 10 Dec 2022

ارتبطت ذاكرتنا الجمعية بالصين بأمرين رئيسيين: ثانيهما، ما ورد من أثر يحث على طلب العلم ولو في الصين.

أما أولهما: فمرتبط بحكاية غزو القائد قتيبة بن مسلم الباهلي لأرض الصين، وتؤكد هذه الرواية التي تضاربت في ابتداء حبكتها على قيام القائد الباهلي بتقديم ثلاثة خيارات للإمبراطور الصيني، مفادها أن يدخل في الإسلام أو يدفع الجزية أو يعلن الحرب عليه ويغزو أرضه ويطأ ترابه.

كما تذكر الرواية أن الإمبراطور قد اكتفى شر الحرب بأن أرسل حفنة من تراب الصين ليطأها قتيبة بقدمه، وأرسل له ذهبا ومالا وفيرا.

وبهذا توقف الباهلي عن تنفيذ تهديده، ثم ألغى الفكرة من أساسها جراء وفاة الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك، وخشيته من نقمة خلفه سليمان بن عبدالملك لكونه كان من الموالين للحجاج بن يوسف الثقفي.

وواقع الحال، تحمل هذه القصة التي باتت مسلمة في العقل الجمعي كغيرها من القصص غير المنطقية في موروثنا الإسلامي، أسس نقضها، حيث تشير رواية ابن كثير إلى أن مبتدأ الحكاية كان نابعا من قتيبة الذي أرسل وفدا للإمبراطور الصيني بمطالبه؛ فيما تشير رواية ابن الأثير إلى عكس ذلك، فتذكر أن الإمبراطور الصيني هو من ابتدأ بطلبه من قتيبة لأن يرسل له وفدا يعرفونه عن حالهم والدين الذي يتبعونه، وأنه استجابة لطلبه أوفد سفارة مكونة من أشخاص عدة لتقديم صورة جيدة عن العرب والمسلمين، غير أن الرواية تذكر أن هؤلاء قد عمدوا في نهاية زيارتهم إلى تهديد الإمبراطور بتقديمهم مطالب قتيبة التي أشرنا إليها، واكتفاء لشرهم استجاب الإمبراطور بما ذُكر آنفا، وهو أمر يعكس سوء سريرة هذه السفارة وعدم احترامها للآخر، ولا سيما أنهم قد قدموا إليه استجابة لدعوته فكان استقباله لهم بأحسن ما يمكن، وبالتالي هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟

انطلاقا من ذلك، أؤمن بأن الحكاية تحمل في طياتها جانبا حقيقيا وآخر مزورا. أما الحقيقي، فهو زيارة الوفد واستقبال الإمبراطور لهم، وأما ما يتعلق بالمطالب الثلاثة فأرى أنها من صنع القصاصين في حينه، الذين شكلوا الآلة الإعلامية للدولة الأموية، وأرادوا من ورائها بث روح القوة في الجيش الأموي، الذي هزم كثيرا من الشعوب والقوميات والأمارات في وقته، وباتت سلطة الدولة مبسوطة على مساحة واسعة شرقا وغربا.

على أن ذلك لا ينفي وجود علاقات شبه ودية بين الإمبراطور الصيني والدولة الإسلامية الناشئة، حيث تذكر الروايات أن ابتداءها كان على عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان، ثم تواصلت السفارات على العهد الأموي، وصولا إلى العباسي وما بعده.

بل وتبادل الطرفان الزيارات والكتابة عن بعضهم البعض، وكان ذلك سببا في انتشار الإسلام ضمن أجواء الصين وبين كثير من القوميات القاطنة في أراضيه.

مع الأخذ في الحسبان انتفاء الممانعة الدينية للدين الإسلامي، ذلك أن الصينيين قد آمنوا بمبادئ كونفوشيوس وبودا، وكلا مبادئهما تحض على الخير والقيم والسلوك الأخلاقي القويم، وهو ما ترتكز عليه المبادئ الإسلامية بشكل كلي.؟

ومن جانب آخر، فلم يكن هناك أي تنافس تبشيري بين الإسلام والديانات الأخرى المنتشرة في الشرق، كما هو الحال مع الصليبية المسيحية مثلا، ولذلك فلم تنشأ أي حروب دينية بين الدول الإسلامية على تنوعها والإمبراطورية الصينية، وإن قامت الحرب بينهم فهي بسبب نوازع مادية بحتة قوامها التوسع وكسب مزيد من المنافع الاقتصادية.

أخيرا، علينا أن نؤمن بأن القواسم المشتركة مع الشرق أكثر مما نتخيل، وندرك بأن تقبلنا لبعضنا البعض يمكن أن تقوى أواصره إذا تحررنا من منظومة العقل الغربي، تلك التي تعمل على تجزئتنا كشرق عن بعضنا البعض، وهي رؤية تم طرحها في وثيقة كامبل بانرمان، رغم عدم ثبوت مادتها النصية حتى الآن، وتم الإشارة إليها بشكل أو بآخر في أطروحة هاننقتون صراع الحضارات.

من هنا، تأتي أهمية الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الصيني للمملكة وعقده للقمم الثلاث. ويأتي كذلك اهتمام المملكة بزيادة توثيق التبادل الثقافي مع الصين أسوة بالجانب الاقتصادي والسياسي.

وكان من جراء ذلك أن أعلن وزير الثقافة سابقا عن إطلاق جائزة عالمية باسم «جائزة الأمير محمد بن سلمان للتعاون الثقافي بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية»، بهدف دعم البحوث المتميزة لطلاب تعليم اللغة العربية في الجامعات الصينية، ودعم الترجمة بين اللغتين العربية والصينية، ودعم الفنون والآداب والمعرفة. وللحديث بقايا.

zash113@