صهيب الصالح

الصين لا تراهن على الاقتصاد وحده

السبت - 10 ديسمبر 2022

Sat - 10 Dec 2022

يذهب معظم الخبراء والمحللين السياسيين إلى أن تنامي قوة الصين عالميا وتعاظم دورها الاقتصادي على وجه التحديد، سيكون من شأنه إعادة صياغة العلاقات الدولية، خاصة أنها تنتهج سياسة سلمية ناعمة لتطوير علاقاتها الاقتصادية خلال التبادلات التجارية مع الدول النامية، التي بدورها تستقبل تلك الاستثمارات الصينية بالترحيب؛ نظرا لجاذبيته التنموية لكون الصين قد حققت نجاحات كبيرة وسريعة في تجربتها التنموية، ولا سيما أن الصين تعتبر هي الأولى من حيث ثروات الأرض على مستوى آسيا، فهي غنية بالمواد المعدنية بما يكفي، مما دفعها إلى الاعتماد على المحدد الاقتصادي في سياساتها الخارجية، لكن كيف استطاعت الصين الوصول إلى هذا القدر من القوة السياسية؟.

إن قوة الدولة بصفة عامة هي أهم ما يمكن خلاله رسم أبعاد الدور الذي تقوم به هذه الدولة على مستوى المجتمع الدولي، لكن انفتاح الحدود أمام تدفق المعلومات والصور رجح أهمية العوامل غير المادية في الحساب العام للقوة، إذ باتت حسابات القوة أكثر تعددية، فظهرت نماذج سياسة جذابة وحيوية، كالإبداع الثقافي والفني التي يتسع نطاق تقبلها شعبيا، فتحقيق المصلحة الوطنية بوسائل غير عسكرية وغير مباشرة في العلاقات مع الكائنات الأخرى في المحيط الدولي والإقليمي، أولى من تحقيقها بأعمال ذات طابع إكراهي قسري، وهذا ما كانت الصين تستوعبه جيدا، وعملت عليه لتحقيق مكاسب استمالة وجذب الآخرين إلى تقبل مكانة الصين السياسية في النظام الدولي، بل وبات الآخرون يطمحون من جانبهم إلى الوصول إليها.

لكن وجود تلك العناصر وحدها لا يكفي لصناعة قوة الدولة، حيث لا بد من عنصر وسيط - مثل الوسيط الكيميائي - يفعّل تلك العناصر إيجابيا، ألا وهو القدرة السياسية، والذي خلاله استطاعت الصين التحرك بلباقة فيما رسمته من علاقة تكافؤ بين فرضية الاعتماد المتبادل وفرضية القوة الناعمة، مما جعل قوتها الناعمة تجد مجالا رحبا للفاعلية في ظل ضخامة الاعتماد المتبادل، وجعل الأخير يتسع باطراد أيضا، وذلك لأن الصين أدركت أن القوة الناعمة وما تحققه من نتائج تبقى دون جدوى، إذا لم تستند إلى قوة اقتصادية وعسكرية ضاربة، وهذا سر تفوقها على دول أخرى ذات سياسات حيوية مثل اليابان وألمانيا. فرغم كل ما تملكه هذه الدول من نظم سياسية وثقافية وأيديولوجية جذابة؛ إلا أن تأثيرها على مخرجات السياسة العالمية نسبي وضئيل أمام التأثير الصيني.

إن عنصر القدرة السياسية يمكن وصفه بجوهر المقاربة الصينية في حقل العلاقات الدولية ورهان تقدمها الاقتصادي، وهو بالضرورة يعكس روح الأمة الصينية ورغبتها في الارتقاء بنموذجها الوطني ورفع مستوى تنافسيته؛ تلبية للإرث التاريخي الممتد من النظام القيمي والأخلاقي القائم على التمسك بالتقاليد والموروث الصيني ونبذ الفردانية، وبالتالي السيطرة على الذات والانغماس في العمل الوطني المحض، وهي تشترك مع المملكة في هذا العنصر الذي أنهضته رؤية المملكة 2030؛ لذا يمكن التكهن بنجاح خطة المواءمة بين أهداف رؤية المملكة 2030 ومبادرة الحزام والطريق الصينية التي وقع ولي العهد ورئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ مذكرة تفاهم حيالها الخميس الماضي لدى زيارته التاريخية للرياض، كما سيفتح هذا العنصر آفاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، وسيشجع الاستثمار المباشر.

9oba_91@