محمد علي الحسيني

أأنت تكره الناس؟

الجمعة - 09 ديسمبر 2022

Fri - 09 Dec 2022

في كل مرحلة من مراحل التاريخ يتصدر المتشددون الحدث، لمحاولة إيجاد صفحة لهم يخلدون بها أفعالهم، ويدخلون التاريخ من صفحاته السوداء، فتجد خطاباتهم معبأة بالكراهية نفسها والتشدد الذي لا علاقة له بأصل الدين وقيمه وشعاراته.

فتجدهم يبحثون عن آيات من هنا وهناك، ويبترونها عن سياقها لتحويلها سهما من سهامهم التي يرمون بها في غير مراميها، لمحاولة تحقيق مكاسب شخصية، أو لتسويق نظرتهم لهذا الدين، وجعلها أحكاما شرعية غير مسموح الخروج عنها أو مناقشتها.

إن الإسلام دين جاء في ظروف صعبة كانت تعيشها شبه الجزيرة العربية، نلخصها في كلام سيدنا جعفر بن أبي طالب، رضي الله عنه، عندما قال للنجاشي ملك الحبشة: «أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله ـ عز وجل ـ إلينا نبيا ورسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله ـ عز وجل ـ لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم، والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة...».

من هنا، نفهم كنه الرسالة التي جاء بها الإسلام، ومحورها رفع الظلم بكل أنواعه وأصنافه عن الإنسان، الذي تم إكراهه على واقع كان فيه الناس عبيدا لغيرهم، ولأصنام أرادوها آلهة ليسيطر فيها القوي على الضعيف، والغني على الفقير، فيختل ميزان العدالة، ويبقى الظلم هو السائد والمهيمن.

وفي ظل هذا الواقع المرير، سطع نور الإسلام ليكون دينا يحمل في طياته العدالة والأمان والسلام للإنسان، مهما كان وأينما وجد، وفي كل عصر، لتكون رسالته رسالة عالمية شاملة لكل البشرية.

فدعا الناس بخطاب لا إكراه فيه بالإيمان بالله وبرسالة خاتم أنبيائه ورسله لما فيه خير للإنسان.

وهنا قال تعالى: «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي». كما أنه سبحانه وتعالى أكد على نبيه أن هذا الدين هو دين قائم على قيم المحبة واللين والرفق، وليس على العنف والإكراه، «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك».

لذلك، فإن مهمة الرسول لم تكن العمل على إدخال من في الأرض جميعا في الإسلام، وإنما تبليغهم الرسالة وهدايتهم إلى الحق، وقد أكد عز وجل على ذلك في قوله: «ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين».

ومن المناسب، التأكيد أن أي سلوك يخالف هذه الدعوة الإلهية فهو سلوك مخالف لدين الله وشرعه، بل إن سلوك البعض الذي يدعي أنه يمثل الإسلام، ويقوم بإكراه الناس على القيام بالفرائض بطريق الإرغام، هو فعل غير صائب، ولا شك أنه سيبغض الناس في دينهم، ويجعلهم يتصرفون تصرفات عدائية ضده، بسبب أسلوب العنف والإكراه الذي يخالف روح الإسلام ومنهجه، القائم على الحكمة والموعظة الحسنة، «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن».

sayidelhusseini@