سالم الكتبي

توجه إيراني خطر نحو العراق

الأربعاء - 07 ديسمبر 2022

Wed - 07 Dec 2022

يشير تحليل الشواهد والمؤشرات إلى أن ما كنا نخشاه يتحقق بالفعل، وهو أن يتجه النظام الإيراني إلى تصدير أزمته الداخلية للخارج بافتعال «صراع» وهمي يحاول من خلاله صرف أنظار الشعب الإيراني الغاضب والمحتج والإيحاء بأن هناك خطرا خارجيا يتطلب حشدا وطنيا، وأن من يخالف هذا «الحشد» سيواجه تهم الخيانة العظمي لا الاعتراض أو الاحتجاج ضد النظام!

أحد أبرز مؤشرات التفكير الإيراني يتمثل في الرسالة التي وجهتها البعثة الإيرانية الدائمة لدى الأمم المتحدة، وطالبت فيها مجلس الأمن الدولي بإلزام العراق بتنفيذ الاتفاقات الخاصة بإغلاق مقرات الأحزاب الكردية في كردستان ونزع سلاحها، وهددت الرسالة بأنه «لم يبق أمام إيران خيار آخر سوى استخدام حقها الأساسي في الدفاع عن النفس في إطار القانون الدولي لحماية أمنها القومي».

هذه الرسالة تكشف نوايا النظام الإيراني، وتعكس رغبة في إيجاد غطاء ترى طهران أنه قانوني للتدخل العسكري بشكل أوسع في العراق، بدعوى ملاحقة الميليشيات الكردية المعارضة للنظام الإيراني، وأن المفاوضات المستمرة مع الحكومة العراقية لم تسفر عن تقدم على هذا الصعيد.

تزعم إيران أن الجماعات الكردية المعارضة لها في العراق تنقل كميات كبيرة من الأسلحة إلى الداخل الإيراني وأنها تنفذ عمليات إرهابية وتتسبب في خسائر بشرية ومادية تزعزع استقرار البلاد، وأنها قدمت معلومات موثوقة و»أدلة لا يمكن إنكارها» للحكومة العراقية بشأن استغلال أراضي العراق ضد إيران.

بلا شك أن نوايا النظام الإيراني من وراء هذه الرسالة ليست جيدة، وأنه يخطط لتوسيع التدخل العسكري في الأراضي العراقية، واللافت أن الملالي يتعاملون مع العراق، بلدا وحكومة، بقدر كبير من التعالي والصلف، لأن الجميع يعلم حقيقة وضع العراق الذي خرج للتو من أزمة صراع سياسي حول تشكيل الحكومة، والجميع يعلم كذلك حجم النفوذ الإيراني الكبير في الداخل العراقي، وهو نفوذ يجعل العراق، مع كل التقدير والاحترام لهذا البلد العربي العريق والكبير معا، واحة تصول فيها الميليشيات الإيرانية وتجول في ظل محدودية قدرة مؤسسات الدولة العراقية على فرض سيادتها وبسط نفوذها والحد من التدخلات الإيرانية في هذا البلد الشقيق.

الحاصل أن العراق يطلب بواقعية تامة فترة زمنية لمعالجة مسببات القلق الإيراني، وهذا حقه تماما، حيث التزم الوفد العراقي خلال مفاوضات الجانبين بوضع إطار زمني لاستكمال نزع أسلحة الميليشيات المناوئة لإيران، ولا أعتقد أن للعراق أي مصلحة في وجود ميليشيات تحمل السلاح داخل أراضيه، ولكنها مسألة وقت وقدرات عملياتية على تنفيذ الإرادة السياسية التي تمثلها الحكومة العراقية.

التلويح الإيراني بالقانون الدولي للدفاع عن النفس يثير الدهشة والاستغراب، لأن إيران نفسها لم تلتزم بالقانون الدولي في علاقاتها مع جميع دول الجوار ومع العراق تحديدا، حيث تستبيح حدوده الدولية جهارا نهارا تحت أعين الجميع من دون أدنى اعتبار للقانون الدولي ولا حتى تقاليد ومبادئ حسن الجوار، ثم تقرر طهران فجأة الاحتكام للقانون الدولي حين تريد وترغب في افتعال أو بالأصح توسيع نطاق أزمة تريد بها صرف أنظار الداخل والخارج معا عما يحدث في شوارع إيران ومدنها!.

يقول النظام الإيراني إنه سيلجأ لاستخدام حق الدفاع عن النفس في القانون الدولي، ولكن ماهو الغطاء القانوني الذي استخدمه حين واصلت إيران شن الهجمات الصاروخية والضربات بالمسيرات خلال السنوات والأشهر الماضية؟ بعض هذه الضربات استهدف مواقع للأحزاب الكردية المعارضة للنظام الإيراني في كردستان العراق، في انتهاك سافر للسيادة الوطنية العراقية، وبعضها الآخر استهدف قواعد ومواقع تابعة لدولة حليفة للعراق كالولايات المتحدة!

الحكومة العراقية تبدو في وضع صعب للغاية في ظل الاعتداءات والخروقات الإيرانية والتركية المتواصلة على الحدود العراقية، بحيث لم يعد هناك مجال للحديث عن سيادة العراق التي تنتهك ليل نهار بشكل سافر، وهذه الانتهاكات تجري في بيئة عراقية داخلية يدرك الجميع تعقيداتها وتشابكاتها وحدود النفوذ الإيراني فيها.

يدرك النظام الإيراني أن التوقيت مناسب لتنفيذ بعض أهداف مشروعه التوسعي الإقليمي، ومنها القضاء على معسكرات الأحزاب الكردية المعارضة في العراق، وهو هدف قديم/ جديد، ولكن البيئة الدولية الراهنة قد تسمح بتنفيذه، علاوة على أن الظروف والضغوط الداخلية التي يعانيها النظام الإيراني تعجل بذلك، ولكن الكارثة الحقيقية في أن مثل هذا التوجه الإيراني يضع العراق على أعتاب مرحلة فوضى جديدة وينسف الاستقرار السياسي والأمني الهش في هذا البلد العربي، وبالتالي فإن العربدة الإقليمية التي يتصرف بها النظام الإيراني يجب أن تتوقف، وأن تتحرك القوى الدولية الكبرى التي تتحمل جزءا كبيرا، بل كامل المسؤولية، عما آلت إليه أوضاع المنطقة، ولاسيما فيما يتعلق بتصاعد الخطر والتهديدات الإيرانية، والتي تنامت منذ عام 2015 على خلفية الاتفاق النووي الذي منح طهران ضوءا أخضر لتنفيذ مخططها الإقليمي وفي القلب كان تعزيز توسعها في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها.

يعلم الجميع مسبقا أن النظام الإقليمي العربي في حالة يرثى لها، ولكن العراق ينتظر من القوى العربية الفاعلة والمؤثرة أن تلعب دورا ما في كبح جماح إيران ومنعها من ارتكاب جريمة جديدة في العراق بتوسيع نطاق عملياتها العسكرية بكل ما يعنيه ذلك من تداعيات وعواقب على أمن العراق واستقراره.

drsalemalketbi@