عبدالله مشرف المالكي

السعودية والذكاء الاصطناعي ودخول المستقبل من بابه الكبير

الاحد - 04 ديسمبر 2022

Sun - 04 Dec 2022

في كل مرحلة يخطو فيها العالم خطوة جديدة هناك ملمح رئيس للمستقبل، فقد كانت الكتابة بداية لعهد جديد للبشرية، ثم جاءت الآلة البخارية لتدشن عصر النهضة الصناعية، وهكذا في كل مفصل حضاري تعد ركيزة بعينها هي القاطرة التي تقود العالم نحو الحقبة الجديدة.

وربما الذكاء الاصطناعي هو هذه الركيزة التي ينتظرها العالم ليقفز قفزته الكبرى، محققا الأحلام التي ظن الناس يوما أنها خرافات لن تتحقق أبدا.

والذكاء الاصطناعي الذي يرمز إليه اختصارا (AI)، مجموعة تقنيات تسمح بنمذجة قدرات العقل البشري وتحسينها، وهذا يشمل جميع التطبيقات التي يمكن للعقل أن يتخيلها من إعداد فنجان القهوة، مرورا بإجراء العمليات الجراحية الكبرى، والقيادة الذكية للسفن الفضائية في عباب الفضاء.

فالذكاء الاصطناعي بشكل موجز، هو فرع واسع النطاق لعلوم الكمبيوتر يهتم ببناء آلات ذكية قادرة على أداء المهام التي تتطلب عادة ذكاء بشريا.

لم يعد الذكاء الاصطناعي حلما بعيدا، أو يقصر استخدامه على فئات معينة من الناس، فجميعنا اليوم نستخدم صورة أو أخرى من تطبيقاته، وربما من أشهر هذه التطبيقات الاستعانة بالمساعدين الذكيين Siri و Alexa على هواتفنا المحمولة.

إذا كنت من متابعي السينما العالمية فعلك شاهدت فيلم الإثارة التاريخي الشهير (The Imitation Game – لعبة المحاكاة)، الذي يدور حول سعي العالم البريطاني، محلل الشفرات آلان تورنغ لفك الشيفرات الموجهة من الألمان إلى الحكومة البريطانية أثناء الحرب العالمية الثانية.

هذا العالم الذي نجح في معرفة سر آلة (Enigma) الألمانية، عاد ليغير وجه الدنيا عندما طرح سؤاله الأهم «هل الآلة تفكر؟»، ففي هذه اللحظة الدقيقة في عمر علوم الحواسيب، ولد الذكاء الاصطناعي.

اقتحام مجال الذكاء الاصطناعي ليس خيارا للدول التي تبني نهضتها، وتشيّد مستقبلا واعدا كما هو الحال في بلادنا، فالمستقبل القادم لن يسمح بأنصاف الحلول، أو الأخذ من هذه العلوم بأطراف الأصابع.

لذلك كانت السعودية في طليعة الدول التي تبنت أحدث تقنيات (AI) في المنطقة كجزء من رؤيتها 2030، وتهدف المملكة إلى جذب استثمارات بقيمة 75 مليار ريال سعودي في البيانات والذكاء الاصطناعي كجزء من الهدف المحدد في الاستراتيجية الوطنية.

كما تشير التقارير الصحفية المهتمة بهذا الجانب بأن السعودية تهدف إلى تحويل قوتها العاملة من خلال تدريب وتطوير مجموعة تضم 20 ألف خبير في مجال الذكاء الاصطناعي والبيانات، من بينهم 5000 سيزودون بمهارات متقدمة وسيؤهلون تأهيلا عاليا بما يتماشى مع الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي.

وقد سعت القيادة السياسية للمملكة إلى صناعة المناخ العام الداعم لهذا الفكر في أكثر من مناسبة منها أن أول روبوت يمنح الجنسية في العالم كان من قبل المملكة العربية السعودية في عام 2017.

لاحقا خططت المملكة العربية السعودية لتصبح رائدة عالميا في فعاليات الذكاء الاصطناعي من خلال تنظيم قمة عالمية للذكاء الاصطناعي، تجمع بين صناع القرار والخبراء والمتخصصين من القطاعين العام والخاص من المملكة العربية السعودية وحول العالم، بما في ذلك شركات التكنولوجيا، والمستثمرين ورجال الأعمال.

كما نظمت تحت رعاية سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان القمّة العالمية "الذكاء الاصطناعي لصالح الإنسانية"، التي هدفت إلى استكشاف دور الذكاء الاصطناعي في العصر العالمي الجديد وكيف يمكن نشر إمكاناته التحويلية لخلق مستقبل أفضل للجميع.

إن رغبة الدولة السعودية في ريادة هذا المجال العلمي الاستراتيجي واضحة لا لبس فيها، فقدّ صرح الأمير محمد بن سلمان سابقا "هذا يدعونا جميعا إلى التفكير والعمل بجد للاستفادة من الذكاء الاصطناعي وإطلاق أقصى إمكاناته في سبيل الارتقاء بمجتمعاتنا واقتصاداتنا، وإننا في المملكة العربية السعودية نترجم ذلك اليوم بإطلاق الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي، بطموح واضح لأن تغدو المملكة أنموذجا للذكاء الاصطناعي في العالم.. حيث نجعل أفضل ما في البيانات والذكاء الاصطناعي واقعا".

هذا التبني من أعلى المستويات في المملكة يشير إلى حجم الإيمان العميق بأهمية دخولنا المستقبل من أوسع أبوابه، وفي نفس اللحظة التي تدخل فيها جميع بلدان العالم المتقدم.

إن المملكة العربية السعودية على أعتاب مرحلة جديدة في حضارتها، مرحلة تبنى على العلوم الحديثة، وتقنيات ما بعد المستقبل، وتحتاج من كل سعودي وسعودية إلى الدعم الكامل، والوعي بطبيعة الطريق، وتقديم العون الفكري والمعنوي في كلّ الميادين.

كلمتي أخيرا للأسرة السعودية، أن يهتموا بإكساب أبنائهم وبناتهم أدوات المستقبل، وأن يسعوا لتعليم أطفالهم الذكاء الاصطناعي في عمر مبكر، ليسهل توطين هذه العلوم في مملكتنا الحبيبة.