طامي الشمراني

في إفساد الذائقة ومسؤولية النقد

الأربعاء - 30 نوفمبر 2022

Wed - 30 Nov 2022

لعل أهم ما يميز عصرنا الذي نعيش فيه أنه عصر التكنولوجيا والتطور الهائل في وسائل الاتصال، لا سيما فيما شهده العالم من تحولات مع بداية الألفية الثالثة، إذ باتت وسائل الاتصال متاحة لكل الناس، وبالتالي غزا هذا العالم الافتراضي جيوش من عديمي الثقافة ليصبحوا متصدرين لكثير من المنصات الإعلامية، فبات إنتاج الثقافة التافهة والسطحية ميزة لكثير مما ينتج عبرها، وإذا ما أردنا تخصيص الحديث على جانب واحد من هذا الجوانب وأقصد الجانب الأدبي، فإننا بتنا نرى استسهالا في النشر والترويج، بدءا من الكاتب وانتهاء بالناقد، ولعل نظرة سريعة على كم المنتديات الالكترونية، وكم الشهادات التي باتت تمنح لكتاب لا يملكون الأبجديات الأولى للكتابة، سترينا حجم الزيف الذي بات يروج له على هذه المواقع التي باتت تمنح لقب الشاعر والأديب والناقد إلى كل من هب ودب.

وربما تكون الطامة الكبرى فيما ينشر عبر هذه المواقع، أو المنصات الالكترونية أن يسهم في تزييف هذا الواقع بعض النقاد عندما يتحدثون عن تلك النتاجات ويصدرون عليها أحكام القيمة مبجلين ومعظمين لهذه التجارب وغالبا ما تصدر أحكامهم عن مرجعيات لا علاقة لها بالنصوص المنتجة وبذلك تنعدم المعايير النقدية التي تبنى عليها الأسس المعرفية للنقد الأدبي.

لا شك أن ما قيل عن العالم الافتراضي عبر مواقع التواصل الاجتماعي ينطبق إلى حد كبير على واقع الأدب في حياتنا، فإذا كانت مهمة الأدب الرئيسة هي التمييز بين الأدب الجيد والرديء، وإصدار حكم قيم على المنتج الأدبي، فإن المسؤولية الواقعة على كاهل النقد الأدبي كبيرة جدا، ربما ينبغي أن تكون أبرز تجلياتها في الوقوف بموضوعية عند تناول النصوص والابتعاد عن المجاملات الأدبية التي تفرغ النقد من مضمونه، وكذلك في التقنين في إصدار كثير من الأحكام، لأن كثيرا من المتلقين يسترشدون بآراء النقاد، ويحتكمون إلى ذائقتهم، فكيف ستكون الحال إذا ضاعوا في سوق شاسعة من الاستهلاك؟

لا شك أننا أمام تحديات كبرى في مواجهة فساد الذائقة التي بات الترويج لها أكبر من أن ينكر، وهنا المسؤولية تقع على مجموعة أطراف يأتي في مقدمتهم الكاتب والناقد، فلا شك أن رفع سوية التلقي تبدأ من الكاتب الجاد الذي يسهم في تقديم منتج أدبي ينمي الذائقة ويرفع من سويتها، ثم في دور الناقد الذي يشير إلى الجيد ويميزه من الرديء الذي ينبغي مواجهته بجرأة؛ لأن الوفاء للحقيقة هو أسمى ما ينبغي أن يحافظ عليه الناقد، والجرأة هي السلاح الأمضى، فإذا خسرها فما جدوى ثقافته ومعرفته ومهاراته اللفظية في تزيين القبيح؟

tamidghilib1404@