اماني يماني

فقدان الشغف حقيقة.. قصة وقت الغداء

الأربعاء - 30 نوفمبر 2022

Wed - 30 Nov 2022

الشغف، المتعة، والبهجة.. كلمات نذكرها دوما ونتغنى بها، لكن اليوم كان لهذه الكلمات معنى آخر.. فإذا كان لديك شغف بشيء ما، فمن المحتمل أنك تدرك جيدا الارتفاعات والانخفاضات والتي تعد آثارا جانبية طبيعية لمتابعة الشيء الذي تحبه.

جلسة لطيفة

جلست وقت الغداء مع نوف وهي زميلة عزيزة لي بالعمل نتحدث عن كيف اختلفت المتعة والبهجة منذ أيام طفولتنا حتى الآن؟!، كيف اختلفت المعاني كذلك؟ وكيف اختفى بعضها؟، كيف كان لأفلام الكرتون في طفولتنا متعة خاصة، حين كانت محدودة بساعتين يوميا وقت العصر، مع سنتوب برتقال وكيس شيبس؟!، أما اليوم ففيلم الكرتون أصبح ٢٤ ساعة بقنوات عديدة، ربما لهذا السبب أصبح من الصعب إقناع الأطفال بأفلام الكرتون المعتادة بسبب كثرة الخيارات أمامهم وكونها متاحة على عدد من المنصات المختلفة.

حتى الأفلام، أذكر أننا كنا ننتظر آخر الأسبوع بشغف، ونرغب بمعرفة ما هو الفيلم الذي سيعرض، أما اليوم فالأفلام على مدار الساعة، على التلفاز ومنصات مختلفة، ولم يعد هناك تميز، حيث إنه بإمكانك أن تشاهد المسلسل أو الفيلم الذي ترغبه في أي وقت وفي أي مكان.

وانتقلت محادثتنا إلى كيف كانت ساعة الإنترنت مميزة حين كان على الجهاز فقط؟، تستمع باتصال الهاتف ومن ثم تنتظر الاتصال، وكانت نافذتك للعالم عبارة عن منتديات وماسنجر، وبحث بسيط لمدة محددة، ومع الأيام انتقل الإنترنت ليكون بمتناول يدك فتتبحر طيلة اليوم وتزور مدنا بعيدة وأنت على فراشك، مما جعل الدهشة تختفي، فبعد أن كنت تسافر إلى أقصى الشرق أو الغرب وأنت متحمس لرؤية مكان جديد وتعيش الدهشة والإعجاب، أصبحت الآن وبسبب الإنترنت تزور هذه الأماكن وأنت على فراشك، وحين تزورها تتنقل وأنت تعرف المكان؛ لأنك زرته أو رأيته افتراضيا.

فقدان الشغف

هل فقدنا الدهشة والشغف؛ لأن كل شيء أصبح متاحا؟! أم لتعدد الخيارات والتي من كثرتها تجد أنك تفكر في هذه الخيارات مما يفقدك الشغف؟!

أنهينا وقت الغداء ونقاشنا وظل بالي مشغولا.. بالفعل هل لهذا نظل نبحر في الإنترنت نبحث عن الجديد؟! هل لأن (واو) الدهشة أصبحت نادرة الوجود والشغف قلّ!، والمتعة أصبحت نادرة! هل لهذا السبب أصبحت أميل لقراءة الكتب أكثر!

المشاعر وتغيرها

تصبح بعض المشاعر جزءا من هويتك، تصبح محفورة في كيانك وهويتك وشعورك بالذات. لذلك بمجرد أن يتلاشى هذا الشغف، قد تبدأ لحظة من الذعر. قد تشعر بالقلق أو الاكتئاب العميق عند التفكير في عدم القيام بهذا الشيء الذي كان يميزك من قبل.

أثارت هذه النقطة علامات الإنذار في رأسي بدأنا نفتقد الدهشة والشغف في أمور بسيطة بسبب التكنولوجيا والتي برأيي تعد نعمة ونقمة في الوقت ذاته، فنحن نزور المقهى والعجيب لا لنشعر بالدهشة عند زيارتها بل لنزورها مثل الآخرين (الهبة).

فعندما تتلاشى العاطفة، قد يكون من الصعب جدا قبولها. ويبدو من المستحيل تقريبا التراجع عن هذا الشغف السابق.

قد تشعر بفقدان الهوية وتتساءل من أنت بدونها، بغض النظر عما إذا كانت مصدر إلهام لك أم لا.

لكن من واقع التجربة الشخصية، أستطيع أن أقول "إن التراجع، ولو مؤقتا، هو أحد أفضل العلاجات". عندما يتركك شيء ما أحببته ذات مرة تشعر بالملل أو التوتر أو عدم الإلهام، فغالبا ما يكون ذلك إشارة واضحة إلى أن بعض الأعمال الداخلية وإعادة التقييم يجب أن يتم.

لذلك إذا كان فقدان الشغف يسبب لك حاليا الشعور بالإرهاق أو التعب أو التوتر، فلا تخف من إعطائه بعض المساحة. لا تخف من التراجع قليلا والتنفس والتركيز على شيء آخر قليلا. كل شيء سيكون على ما يرام.

بالتخلي عن ذلك، فإنك تسمح للكون بعمل سحره وملء هذا الفراغ إما بحب متجدد وطاقة، أو بشغف جديد لم تكن لتتخيله أبدا.

سواء كانت الموسيقى أو الكتابة أوالرسم أو أي شيء آخر، يفقدك النوم؛ لأن الشيء الذي تحبه يبقيك مستيقظا طوال الليل، وفي بعض الأيام تشعر بالتعب وعدم الإلهام. هناك فترات مد وجزر في متابعة شغفك، وهو أمر طبيعي وصحي تماما.

ولكن ماذا يحدث عندما تبقى "الانخفاضات" انخفاضات؟ ربما يكون لديك بضعة أيام عندما لا تشعر بالحماس، عندما يكون الشيء الذي أحببته يوما ما يبدو وكأنه وظيفة أكثر من كونه شيئا تتطلع إلى القيام به.

الإحباط

قد تصاب بالإحباط من نفسك، وتتساءل ما هو الخطأ فيك؟ لعدم شعورك بالحماس تجاه شيء جلب لك الكثير من الفرح في الماضي، ما بدأ كنار قوية ومشرقة ومفعمة بالأمل أصبح الآن شعلة أصغر بكثير. تحاول تأجيج اللهب، ومحاولة جعله أكبر ومحاولة أكثر صعوبة لإعادته إلى مجد سابق.

علامة مضيئة


"قد يعتبر وجود الإنترنت وتوافر الأمور بين يدنا نعمة كبيرة ونقمة في الوقت نفسه، هم نعمة لأن المعرفة أصبحت سهلا الوصول لها ونقمة للأمر نفسه فلم نعد نشعر بمتعة البحث عن الشيء، فبمجرد الضغط على محرك البحث نجد الجواب".

أفلام الكرتون ٢٤ ساعة متواجدة ففقدت متعتها ورونقها فلا تنجذب إلا للمتميز فيجب على منتجيها أن يتميزوا عن الموجود بالسوق.

الأفلام السينمائية والمسلسلات تعرض على مدار الساعة بإمكانك أن تشاهدها على مدار الساعة في أي وقت في أي مكان فلم يعد هناك وقت مميز أو ممتع أو مبهج لها.

أصبح تعريف البهجة والمتعة والشغف له بعد آخر بعد فلسفي، بعد أعمق.. بعد يحتاج إلى إعادة تعريف

هل تتفقون معي في ذلك؟! إن نعم.. ما أول تعريف يخطر في بالكم له!