غالية المطيري

الوجع

الأربعاء - 30 نوفمبر 2022

Wed - 30 Nov 2022

ضغطت بأسنانها على شفتها السفلى، كأنها تحاول أن تمنع صرخة تتردد داخلها.

ولكن وخزة الألم جعلتها تنتبه أنها ما زالت في سريرها، وأنها استيقظت من نومها بحركة أسنانها تلك. وفي أقل من جزء من الثانية استيقظ كل حواسها، وعاد ذلك الوجع لتنهمر دموعها وتضع وجهها بين كفيها وتصرخ "آه يا ربي لا".

إن لم يكن كلنا، فغالبنا صرخ تلك الصرخة وهو يردد: "يا ربي لا، ما يكون صحيح اللي يقولون".

صرخة كم كنت تتمنى أنك لم تخلق حتى لا تشعر بقوة وجعها، ولكنك خلقت وشعرت بذلك الوجع؛ فماذا ستفعل؟ هل سيتوقف لديك الشعور؟! هل ستكف عن الحياة؟! أو ستقرر أن تعيش جسدا اختفت منه مظاهر الحياة؟! ماذا سيكون قرارك؟.

قبل أن أستمع لقرارك، هل سمحت لي بأن أغوص معك في معنى الموت والحياة.

الفقد والخسارة المالية والشعور بالخذلان والظلم، تعني عند البعض الموت، أي انتهاء الحياة، ولكن الحقيقة التي يحاول ذلك الفاقد أو الخاسر أو المخذول أو المظلوم تجاهلها، هي أنها مجرد لحظة ستكون هي الفيصل في باقي حياته، لأنه يملك القرار، ولأنه ليس عاجزا كما يحاول أن يوهم ذاته بذلك.

لأنه قرر أن يكون ضعيفا تحت مسميات متعددة للفشل، مع أنه قادر على أن يقرر أن يكون بعد تلك اللحظة حيا، ويكون أكثر سعادة وأكثر قوة وأكثر ربحا، ولكن عليه أن يتحمل ويخطط ويبني ويبحث في داخله عن هدف، ثم يسعى إلى تحقيقه، مثل من فقد حبيبا بالموت أو الفراق، عليه أن يبحث في داخله عن سبب حزنه ويتغلب عليه.

وهذا يقودنا إلى سؤال منطقي: كيف تتغلب على الوجع؟.

هناك حقيقة ثابتة عندما تؤمن أنك قادر على التغلب على الوجع، مهما كانت قوته أو شدته، فإيمانك بأنك تستطيع فهذا مؤشر على أنك تريد الحياة.

إذن، ما ذا ستفعل بعد ذلك؟ اذهب إلى مكان لا يوجد به إلا أنت والفضاء. مثل (البر ونحوه)، واصرخ بأعلى صوتك عما تخشى أو يحزنك من ذلك الأمر الذي أصابك، عندما تصارح نفسك بمخاوفك وتسمع تلك المخاوف بصوت عال، عندها فقط ستأخذ نفسا عميقا، وقد تحتاج إلى تكرار ذلك أكثر من مرة.

أعدها وكن صبورا مع نفسك، وبعد تلك المصارحة ابدأ بمعالجة تلك المخاوف، ووضع خطة للتغلب عليها بشكل علمي ومنطقي، وكل إنسان هو أعلم بذاته وما تحتاج من الأساليب والطرق لمعالجتها، وثق بأن طبيب نفسك هو أنت، وأن بداية الانتصار والنجاح من داخلك تبدأ.

وأنت أقدر على وضع الخطة والخطوات والأهداف والطريقة التي تستطيع بها التغلب على ذلك الوجع، وتذكر دائما قول الخالق سبحانه: (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)، فأنت أعلم بنفسك وما تحتاج.

ولكن كن صادقا مع ذاتك، واعلم أن الخطوة الأولى هي الحاسمة والصعبة، ولكنها ليست مستحيلة.

وبعد ذلك الحوار مع ذاتها، كفكفت دموعها ورفعت رأسها، ووضعت كلتا يديها على مكان الوجع وقالت: نعم إني أريد الحياة. لن تختفي أيها الوجع ولكن كن صديقي، وخذ بيدي لتكون وقودي للمضي في طريق السعادة قدما. عانقها الوجع وقال لها: لمثلك خلقت أيتها الشجاعة.