بندر الزهراني

أحاديث على هامش كأس العالم!

الأربعاء - 30 نوفمبر 2022

Wed - 30 Nov 2022

كنت في بريطانيا عندما انطلقت مباريات كأس العالم عام 2006م التي نظمتها ألمانيا، وتأهل لها المنتخب السعودي، وكما هو معلوم وثابت بالتجربة والملاحظة أن أغلب البريطانيين شغوفون بكرة القدم، ومتعلقون بها تعلقا قلما تجده عند غيرهم، وشغفهم بها دائما ما ينحرف بكثير منهم عن السلوك الرياضي المتزن، فتراهم على اختلاف مستوياتهم العلمية وطبقاتهم الاجتماعية يتعصبون في أقوالهم وأفعالهم لمنتخباتهم، ويقللون من المنتخبات الأخرى متى ما سنحت لهم الفرصة أو سكت الآخرون على إساءاتهم.

وعشية انطلاق مباريات المونديال العالمي آنذاك، بعث أحد الأساتذة البريطانيين برسالة الكترونية على قائمة بريدية كانت تضم عددا كبيرا من أساتذة الرياضيات والإحصاء وعلوم الفلك والفيزياء، وكنت - لسوء حظه - واحدا من أعضاء هذه القائمة، وكنا قد اعتدنا على رسائله القصيرة والمختصرة من فترة لأخرى يطلعنا من خلالها على ما يقوم به من عمل أوكل إليه، حيث إنه كان مكلفا بمتابعة انتقال الكلية من مبناها القديم إلى مبنى جديد، إلا أن رسالته الأخيرة كانت طويلة على غير العادة، وفي ثناياها أراد أن يعبر عن صعوبة الانتقال فكتب ساخرا: إن احتمالية انتقالنا للمبنى الجديد تساوي احتمالية فوز المنتخب السعودي بكأس العالم!

وبمجرد قراءتي لهذه الجملة المستفزة رددت عليه فورا، وكتبت له ولكل من هو معنا في القائمة: كنت سأثق بنجاحك في قيادة أعمال الانتقال للمبنى الجديد لو قلت إن احتمال إنجاز مهمتك يساوي احتمال فوز المنتخب الإنجليزي بكأس العالم، لكنك استغرقت وقتا طويلا في إنجازها، وأخشى أن تطول المدة 40 عاما - وهي مدة ابتعاد الإنجليز عن تحقيق حلم المونديال - ولا أرجو للشعب الإنجليزي الصديق إلا حصد اللقب والفرح بتحقيقه! فرد علي أستاذان - واحد لأسكتلندي والآخر أيرلندي - وقالا: الآن تعادلت السعودية مع إنجلترا.

وفي صبيحة اليوم الثاني قابلت عميد الكلية مصادفة في المصعد، وعندما رآني تبسم في وجهي وقال لي مستهجنا تصرف زميله: هكذا هم الإنجليز المتعصبون، وذكرت له أنني أتفهم وضعهم وأشاطرهم بعض مشاعرهم، وفي اليوم نفسه قابلت الأستاذ المتعصب رياضيا، وكان منحرجا من مقابلتي إذ بدا محمر الوجه ومنتفخ الأوداج، وقال لي بعد أن قدم اعتذاره: من اليوم سأناصر المنتخب السعودي في كل مبارياته، فصافحته وشكرته على مشاعره، وكنت أمني النفس بأن يتجاوز المنتخب السعودي دوري المجموعات في تلك البطولة.

أول كأس عالم تابعتها تلك التي كانت في المكسيك عام 1986م وكانت في شهر رمضان المبارك، وهي البطولة التي حصل عليها الأرجنتيني دييغو مارادونا وخسرها الفرنسي ميشيل بلاتيني، وأما البطولة التي أقيمت في أسبانيا عام 1982م فلم تكن إشارات التلفزيون قد وصلت قريتنا بعد، ولا أدري ما إذا كان التلفزيون آنذاك ينقل كل مباريات كأس العالم أم لا، إلا أن الصحف المحلية كانت تخصص بعض صفحاتها للحديث عن نجوم وتاريخ بطولات كأس العالم.

وقد بدأ المنتخب السعودي لكرة القدم مشاركاته العالمية بعد تأهله لأولمبياد لوس أنجلوس عام 1984م ثم حصوله على كأس آسيا في العام نفسه في سنغافورة، ولا شك أن محبي كرة القدم ممن كانوا أكبر منا سنا قد بدؤوا في وقت مبكر متابعة الكرة المحلية ومشاهدة نجوم كبار لعبوا في الدوري السعودي، كما أن نجاح المنتخب في تأهله للأولمبياد ومن بعد تحقيقه كأس آسيا خلق في نفوسنا حبا وتعلقا بكرة القدم العالمية، يضاف لذلك بروز نجوم محلية على المستوى العالمي كالنجم الكبير ماجد عبدالله، وهذا ما أعطى زخما كبيرا لمشاهدة كرة القدم وتتبع أخبارها.

ومع انطلاق مباريات كأس العالم الحالية وبعد فوزنا التاريخي على الأرجنتين، طلبت من طلابي في مقرر نظرية الاحتمالات حساب احتمالية تأهل منتخبنا للدور الثمن النهائي، وقلت لهم: هذا سؤال مفتوح من أسئلة الاختبار، إلا أن أمطار جدة حالت دون عقد الاختبار، مما يعني أن السؤال لم يعد حاضرا في الاختبار المؤجل إلى ما بعد الإجازة، ولكن درجته ستكون حاضرة إذا وإذا فقط تجاوزنا مباراة المكسيك وتأهلنا للدور الثاني، كاحتفال بسيط بإنجاز الأخضر السعودي.

drbmaz@