عبدالله العولقي

هل الديمقراطية في أزمة؟

الأربعاء - 30 نوفمبر 2022

Wed - 30 Nov 2022

بلغت الديمقراطية أوجها عالميا عقب انهيار سد برلين عام 1989م، وبدأت ترسانة الإعلام الغربي تروج حينها بنجاح الديمقراطية كنظام إنساني وعالمي، فبعد تفكك المنظومة السوفيتية حينها سارع الغرب إلى حث تلك البلدان المستحدثة إلى تبني النظام الغربي لتصل الرسالة الغربية ذروتها في كتاب فرانسيس فوكوياما «نهاية التاريخ» كانتصار القيم والثقافة الغربية وتسيدها المشهد العالمي.

زمنيا، لم يطل هذا المشهد كثيرا، فالربع الأول من القرن الحالي يعكس صورة الأزمة التي تعيشها الديمقراطية في بلاد الغرب، ويكفي أنها لم تعد تمتلك تلك الجاذبية الفكرية بين المثقفين حول العالم بسبب تسييس أصولها ومبادئها من سيادة القانون إلى حقوق الإنسان وتفريغ محتواها من المضمون الإنساني الحقيقي لتصبح بعد ذلك ورقة سياسية ينتهجها الغرب في سياسته الخارجية، بمعنى أن أزمة الديمقراطية جاءت من الداخل الغربي نفسه!!

بلغت أزمة الديمقراطية في واشنطن أوجهها عندما رفض أنصار الرئيس الأسبق ترمب نتائج الانتخابات الرئاسية السابقة ليصل الأمر إلى هجوم مسلح على مبنى الكابيتول والذي يعدونه هناك رمز الديمقراطية الأمريكية لتصل الصورة إلى مشهد درامي يتناقض مع أبجديات الديمقراطية وليعكس عن واقع الأزمة الديمقراطية في الغرب.

الحديث هنا ليس عن توصيف الأزمة فقط، وإنما عن دور الآلة الإعلامية الضخمة التي تدير مشهد الديمقراطية في داخل الغرب وخارجه لتحوله إلى أداة سياسية توجهها من أجل مصالحها البراغماتية، وفي ذات الوقت هي تفرغ الديمقراطية من مبادئها ومحتواها الحقيقي، وهذا هو لب الأزمة التي تعيشها الديمقراطية في الغرب، ففي الماضي خدع الإعلام الغربي العالم بأن بغداد تمتلك ترسانة من السلاح النووي مخصصة لتدمير العالم، بينما كان الواقع ينم عن مجرد تبرير لغزو العراق، وفي الحاضر صور الإعلام الإنجليزي للبريطانيين بأن نظام البريكست سيجعلهم في حال أفضل بينما تعيش لندن أزمة اقتصادية طاحنة عقب خروجها من الاتحاد الأوروبي ولا تزال تعيش تداعياته حتى الآن.

وبالتالي فإن جوهر أزمة الديمقراطية هو إعلامها الذي يروج لسياسات دولية قد تتناقض مع أبجديات الديمقراطية نفسها، ويكفي أن ندرك أن كل ما يؤيد السياسة الغربية في تعاملاتها الخارجية يروج له بالقانونية أو الشرعية وكل ما يختلف عنه فهو خارج سياق القانون الدولي!!

مؤخرا، بدأ الإعلام الغربي يكثف حملاته تجاه المثلية لتتحول لاحقا إلى قضية سياسية يتم إقحامها في أغلب القضايا الدولية، وعلى الرغم من سخافة القضية وتعارضها مع الفطرة الإنسانية إلا أننا نشهد لها ترويجا دعائيا ضخما في أفلام هوليود ومكتبة نيتفليكس الفضائية من أجل شرعنتها قانونيا لتصل إلى كل القضايا الدولية المؤثرة بما فيها الألعاب الرياضية ككرة القدم، هذه الصورة تكفي لتفسر أزمة الديمقراطية في الغرب، وتحديدا عندما يروج الإعلام الغربي لقضية ما لتتحول تدريجيا إلى أداة سياسية في المفاوضات الخارجية.

بينما في المقابل تتفرغ الديمقراطية من محتواها الحقيقي لتصل إلى أزمة داخلية تنخر في مقومات الحضارة الغربية، وقد بدأت هذه الأزمة ذروتها بوصول الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى سدة الحكم في بعض الدول الأوروبية ومن بوابة الديمقراطية وعبر صناديق الاقتراع!!

albakry1814@