أحمد الهلالي

تاريخ الوعي الاجتماعي وآثاره في أداء المنتخب السعودي!

الأربعاء - 30 نوفمبر 2022

Wed - 30 Nov 2022

مصطلح الوعي كثير الدوران في أطروحات الحداثة على مستوى الوطن، بوصفه مدارا تتغياه أطروحاتهم منذ رائد الحداثة الأول الشاعر محمد حسن عواد، منذ كتابه خواطر مصرحة، أول كتاب فردي في الأدب السعودي صدر عام 1926م، وظل المصطلح حيا، وما يزال إلى يومنا، وغالبا ما يقترن بالاجتماعي؛ قصدا إلى إيقاظ المجتمع، فإن كان المجتمع في زمن العواد فتح عينه جزئيا على الحضارة الإنسانية، فهو ذات المجتمع الذي وجد نفسه مسيرا بفكرة أحادية في الثمانينيات، وظل المثقفون يلحون على موضوع الوعي الاجتماعي، لافتكاك المجتمع من رسن الفكرة الواحدة.

تلك الفكرة التي ألقت بظلالها على مجتمعنا ردحا طويلا، حتى تسرب ظن تعذر افتكاكه إلى قلوب الكثيرين، لكن الوعي الاجتماعي الذي راهن عليه مثقفو الحداثة ظل يتنامى بهدوء، يتغذى من ضيقه بقيود الفكرة الواحدة من جهة، ومن كثرة الأخطاء وضلال المسعى من جهة أخرى، فلا يمكن لقوة مهما عتى جبروتها أن تجر مجتمعا حديثا إلى أزمنة غابرة، في عالم ودع الماضي، ولم يعد يعني له إلا ذاكرة يستقي منها ما يعين على التقدم والنماء، عالم تقاربت أجزاؤه وما تزال، ومن العبث أن تتقبل تربته أفكار الماضي كما كانت في تربتها الأولى.

يتعذر تحديد الأوقات التي تعالت فيها موجة الوعي الاجتماعي، لكن حراك المثقفين التنويريين الشجاع، ومنابر الصحافة والمؤسسات الثقافية كانت مراكز إشعاعه الرئيسة، وفي ذات الوقت أسهم التعليم وتطوره المستمر، وكذلك الفضائيات، ومثلها شبكة الإنترنت وغيرها في انتشار الوعي واتساع رقعته، ولم يعد الحديث العلني عنه مجرما، وظل يتنامى حتى وجد صناع القرار الأرضية المناسبة لدعم تلك الجهود بقرارات جريئة، أخرجت المجتمع من كهف الفكرة الأحادية، فانطلق يسابق الزمن، ويتحرك في كل الاتجاهات الممكنة لاستكمال خطى حداثته التي تأخرت عن حركة حداثة الكرة الأرضية، وإن جاز لي التعبير، فمجتمعنا لم يصل بعد إلى زمن ما بعد الحداثة، ناهيك عن ما بعد ما بعد الحداثة؛ لأن كثافة سدول الفكرة الواحدة كانت تحجبه عن كل ذلك إلا في مظاهر قليلة، ومساحات ضيقة.

لعل حديثي جاء استجابة لمؤثرات شتى، أرصدها منذ مدة بالمتابعة والتأملات، ليس آخرها أداء المنتخب السعودي في مونديال قطر 2022، فتلك الروح افتقدناها كثيرا، وقد كنا ننادي بها حين نرى اهتزاز الثقة في لاعبينا، والرهبة تفتك ببعضهم حتى أن الواحد ليسقط دون مؤثر خارجي، وكنا نظن أن تدبيج المقالات وإسداء النصائح عبر وسائل الإعلام يكفي لزرع الثقة في أعماقهم، لكن ما رأيته في قطر فتح عينيّ على أن الأمر أكبر من محاولاتنا السابقة، فموضوع الثقة والاعتزاز ليس شعورا تنبته الخطب، ولا تنمّيه التنظيرات، بل شعور يتألف نسيجه من أشياء أخرى، كان الوعي الحقيقي بمعاني الوطن، ومعاني الاعتزاز، ومعاني العظمة، وقيمة الهوية من أوثق خيوطه، فمن أين جاءت هذه المعاني، وأين كانت تغيب عنا؟

باختصار، كانت تغيب في ظلال الفكرة الواحدة، وحداة الركب، والأوصياء، وتغور في هوة الفكرة الأممية التي جعلت مشاعر الكثيرين تتشظى في مهب شاسع، وولاءات بعيدة عابرة، وغفلة حقيقية عن نقاط قوتنا وعزتنا وواقعنا وعصرنا، فجاء العهد السلماني بملكه العظيم، وولي عهده الملهم، العهد، وصب تركيزه على هذه الكوامن المهملة، فكانت هي محطات الشحن الرئيسة للإبداع في شتى المجالات، وهي مواطن الاعتزاز، والشعور بقيمة الذات والهوية المغفول عنها، فتوالى إشراق النتائج كما نشاهد اليوم في رياضيينا، ومؤسساتنا، وعلمائنا، وطلابنا، ومعلمينا، وفنانينا، ومهندسينا، وأطبائنا، وإعلاميينا، وتقنيينا، وأبطالنا العسكريين، وجميع أبناء وبنات شعبنا الذين استشعروا عظمة وطنهم، بتاريخه وجغرافيته واقتصاده وحضارته، وموقعه المتقدم بين دول العالم، والكثير الكثير، وأجزم أن القادم أجمل وأعظم، فتأملوا وارصدوا آثار تلك الكوامن التي تفجرت طاقاتها في أعماقنا، واستشرفوا ما سيكون عليه مستقبل وطن الشمس.

ahmad_helali@