شاهر النهاري

الإعلام والعلاقات الحكومية والإفصاح

الأربعاء - 30 نوفمبر 2022

Wed - 30 Nov 2022

ما يزال عدد كبير من الجهات الحكومية يتعاملون مع رهبة المبادرة، ومع تساؤلات الشارع من خلال النهج القديم. فيظل الجميع ينتظرون: صرح مسؤول!

مع أن جميع تلك الجهات الحكومية تمتلك طواقم من الموظفين في مجالات العلاقات العامة، والإعلام، والاتصال، بمعظم فروعها في أنحاء المملكة، وهم يصرفون الميزانيات الضخمة حينما يستعينون بشركات محلية وأجنبية لوضع خططهم واستراتيجياتهم وحملاتهم ومبادراتهم، وفي النهاية يعودون لنفس الروتينية الكلاسيكية في الصوت الواحد أثناء تناول الأخبار الطارئة، وبشكل لا يتماشى مع رؤية الوطن الحالية.

بلدنا مثل أي بلد في العالم، تحدث فيها الإنجازات وكذلك تحدث الأخطاء، والحوادث، وقد يظهر العوار والتقصير في بعض زوايا القرار والتنفيذ الإداري، والخدمي، والهيكلي، وربما تحدث بعض الكوارث الطبيعية، والصناعية، ولكن المؤسسات الصحفية تظل مسلوبة الحركة غير قادرة على التواجد في الشارع، لتفنيد الحدث وشرح أسبابه، ووضع اليد على الجرح، لمنع حدوثه مجددا قدر الإمكان.

الأوضاع الآنية حال حدوث الحدث، شيوع الصمت الأولي الرهيب، فلا تجد من يمكنه أن يصرح، لترتفع القضية من مكتب مدير إلى وكيل، إلى مكتب وزير، فتكون الاستجابة متأخرة، وربما بتغريدة غير شافية ولا تعطي جوانب الحقيقة حقها.

والسؤال هنا أين هؤلاء المتخصصون في التواصل الحكومي، ولماذا يعجزون عن المبادرة، والنزول لمكان الحدث، والرؤية بعدة مسابير لا يغشاها الصوت الواحد؟

وسائل الإعلام الحكومي، والخاص يختفون حين حصول الخلل، وهم بالمقابل حين إشهار الإنجازات والخدمات، يستعينون بالمشاهير ومؤثري التواصل الاجتماعي للحديث نيابة عنهم!

ليس عيبا أن تحدث الأخطاء مهما كان نوعها، والعيب في محاولة تغطيته، وعدم التفاعل إزائها بأريحية مثلما يفعل إعلام الدول المتقدمة المنفتحة، المستعدة طوال الوقت للمفاجئات، والرد على تساؤلات الجمهور، وهذا لا يخل بقيمة الدولة ولا أمنها، بل يعطيها الثقة والعمق والتنوع والإثراء في الآراء وإيجاد الحلول.

قضايا تناقش على قنوات إعلامية، ويحدث أن يغيب الناطق الرسمي باسم الجهة المعنية، وإن حضر ردد بعض الكلمات المكررة، ما يسيء للجهة التي يمثلها.

حوادث وأخطاء تحدث بتقصير أو بعشوائية، وغالبا لا نسمع من يعتذر نيابة عن الجهة الحكومية، مع أن الاعتذار شيم الكبار، وطبع من يبذل ويحاول، ولكنه حينما يفشل يقوم بالتوقف وإصلاح موقفه، ودون رمي المسؤولية على الجهات الأخرى المشاركة معه في نفس الحدث.

كل شيء يتطور، إلا الإعلام والعلاقات الحكومية، التي تقلصت أدوارها عن ذي قبل، وحل مكانها مؤثري مواقع التواصل يأتون للتطبيل لكل صغيرة وكبيرة، دون وعي ودون شفافية قادرة على خدمة الوطن، بتجشم عمليات تجميلية مبالغ فيها، وتبرير غير منطقي، أو بصمت يدفن الخلل، ولا يؤكد على وعي تلافيه مستقبلا.

الإعلام والصحافة لم تعد في عصرها المزدهر، وطغى عليها الصوت الواحد، وتم تهميش المؤسسات الصحفية، صاحبة المصداقية والوزن والثقة وتنوع الأرشيف الوطني، ولم يتم وضع استراتيجية لوزارة الإعلام وهيئاتها، بشكل لا يجعلها نسخة طبق الأصل عما يحدث في مواقع التواصل.

ورغم كل ذلك يظل الأمل كبيرا، في عودة الإعلام السعودي إلى مواقع أهميته مهما زغللة الأعين مواقع التواصل، ولا بد من دعم المثقفين من كتاب وصحفيين، حتى يعود رونقهم، وأهميتهم، وتحليلاتهم الصادقة، ولا تثريب أن نسمع الصوت، والأصوات الأخرى بفوائد الرؤية والاختلاف، فلا وجود للكمال، وأفضل طرق إصلاح الخطأ يكون بعدم الإنكار، وتصفية النية في المعالجة المتواكبة مع الواقع.

shaheralnahari@