روان عبدالرحمن

التهذيب بالفلسفة!

السبت - 26 نوفمبر 2022

Sat - 26 Nov 2022

تشكل الفلسفة في أحد وأبرز مباحثها أهم طرق تهذيب الذات الإنسانية، وإن كان من مباحثها الأخرى دراسة طبيعة الواقع والكون والوجود، فإنها أيضا تدرس ما يمكن تأمله، من معرفة السلوك السوي من السلوك الخاطئ.

وتعني مفردة الفلسفة في بدايتها ‹›حب الحكمة››، وكفى بها موجها لأبرز اهتماماتها وهو السلوك! بل إن لها دورا كبيرا في إصلاح الفرد والمجتمع، كما ترشدنا لفهم النفس البشرية، وتسهم في توسيع الآفاق والتفكير بطريقة أكثر عمقا لنتفادى السطحية الاجتماعية السائدة، كما لها دور كبير في تثقيف العقل والروح والعاطفة وتغيير طريقة العيش لأسلوب ذاتي نبيل راقٍ.

ولا نبالغ كثيرا إذا قلنا إن الفلسفة هي مرشدنا إلى إعمال الفكر والإصلاح الذاتي، وقد لازمت الفلسفة الإنسان بمختلف أجناسه منذ مرحلة الطفولة، فما أسئلة الأطفال (كيف؟ ولماذا؟ وأين؟) تلك الأسئلة التي قد لا نقف عندها طويلا ولا نهتم بالإجابة عنها ما هي إلا صورة من صور بدايات الفلسفة في النفس الإنسانية، ففي حال تم التدريب على مبادئ الفلسفة وممارستها بالشكل الصحيح ستكون سببا في تنمية المهارات، وتعزز القدرات الفكرية للأشخاص بشكل ناقد عقلاني.

وفي حال تمت العناية بها وممارستها وتطبيقها ستسهم في تنمية حياة الفرد والمجتمع، ويكون لها دور مهم في تطوير القدرة على التعبير اللغوي الدقيق واليقظة الفكرية والصرامة المنطقية والمراقبة الذاتية، من خلال التفكير والتعبير والحوار الفلسفي، وكذلك تساعد الفلسفة على معرفة قيم العدالة الاجتماعية والدفاع عنها، وذلك لأهميتها البالغة في التوعية الاجتماعية، وغرس قيم المحبة والتسامح، واحتواء العنف الفكري، لذلك تقودنا نحو صلاح الفرد والمجتمع، والمحافظة على القيم الإنسانية السامية الكريمة.

يعتبر التأمل أول أساليبها، والصبر منهج أساسي للاستمرار في تحقيق المنطق الفلسفي، والدراسة والاطلاع الواسع السبيل الأول لاكتسابها، ولها دور كبير في تحسين قدرة الإنسان في مواجهة الأوهام والعيش بوعي أكبر في الحياة، وتساعدنا في إعادة التفكير في نمط تفكيرنا وأسلوب حياتنا، وتحسين نظرتنا بوعي أكبر وإدراك أشمل. وللفلسفة دور كبير في حل مشكلات المجتمع الجمعي والفردي والاختلاف الثقافي والعنصري، إذ تهدف إلى الارتقاء بالإنسان وقيمه السمحة، وحل القضايا الغامضة في الحياة والتوصل إلى الحقيقة، والبحث عن غاية الحياة والكون والإنسان.

وتنمي الفلسفة المهارات والقدرات وتعزز السلوك العقلاني في الحياة الفكرية والنفسية والاجتماعية. بالإضافة إلى المرونة في البحث عن إيجاد حل للمشكلات واكتساب الرؤية المرنة الهادئة لكل جوانب المشكلات التي نسعى لتجاوزها.

ومن الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المهتم بالفلسفة، الصبر والقدرة على التصنيف والتنظيم وإصدار الأحكام واتخاذ القرارات، فهي بدورها تزود المجتمع بنظام تربوي ومبادئ تعليمية وتوعية اجتماعية.

وتساعدنا الفلسفة على التفكير بشكل نقدي للعالم من حولنا، واتخاذ قرارات منطقية سليمة حول الحياة التي يجب أن نعيش فيها بحكمة وعقل ومنطق، حيث إن «للفلسفة طمأنينة» كما أعرب عن ذلك الكاتب سعيد ناشيد، وتؤثر بدورها على دواخلنا فتغرس فينا شعور التحرر من الاضطرابات العاطفية والحيرة والقلق، وأيضا تحقق الهدوء الوجداني والتوازن النفسي، أو كما يمسى بالهدوء الفلسفي، حيث إن الحاجة إلى الهدوء تقودنا إلى التفكير بوضوح واتخاذ قرارات عقلانية منطقية صائبة.

وللفلسفة دور كبير في تعزيز القدرات العقلية والتحليلية، فهي تنمي كل ما يسهم في سمو الإنسان ورفعته ورقيه، وبدورها المعرفي والمنطقي يجب أن تكون جزءا من عملية تكوين الإنسان الفكري، إذ تقود الفرد للبحث والتفكير والتأمل في فهم الحقيقة والمعرفة والقيمة الأساسية للحياة، لأنها تنبع من التعجب وحب الاستطلاع والرغبة في الفهم والمعرفة، وهي عملية فكرية واسعة تشمل كل عمليات التحليل والنقد والتفسير والتأمل.

ويشهد تعليمنا بوقتنا الحاضر نهضة علمية وفكرية عالية، إذ إنه تم إدراج مادة التفكير الناقد للطلاب في المرحلة المتوسطة والثانوية، والتي تعتبر أهم المراحل العمرية لبناء الشخصية، وتعتبر مادة التفكير الناقد أحد مفاهيم الفلسفة وهي مادة أساسية حتى ينشأ الطالب على جميع علوم المعرفة، ويثبت التعليم نفسه كعامل قوي من الصغر في انعكاسه على طريقة التفكير، وأن تكون النتائج إيجابية، حيث إن الطالب سيتمتع بمهارات متعددة ومرونة عالية في حل المشاكل وطريقة التعامل معها وإيجاد الحلول المنطقية، بالإضافة إلى القدرة على التفكير والتعلم باستمرار طوال حياته، وبهذه الطريقة يبدأ التعليم كونه له دور أساسي في تحسين المعرفة حتى يتمكن الإنسان من ممارسة دوره الاجتماعي بطريقة واعية وناقدة، وبالتالي يجب أن يكون التعليم مفصلا بهدف تكوين الطالب وتأثيرها على تكوين العقل بتطويره من إحساسه بالقيم والمعايير الأخلاقية، هناك مهارات عدة يكتسبها الطالب من دراسة التفكير الناقد بالفلسفة.. منها التعرف على الافتراضات: وهو القدرة على التمييز بين درجة صدق معلومات، والتمييز بين الحقيقة والرأي.

وكذلك القدرة على التفسير: ويمكن وصفها بأنها تحديد المشكلة وتفسيراتها المنطقية. كما أنها تساعد على الاستنباط: يشير إلى قدرة الفرد على تحديد بعض النتائج المترتبة على مقدمات سابقة لها.

كما أن الاستنتاج أيضا مما يزيد من التفكير الناقد للطالب، وهو يعني قدرة الفرد على استخلاص نتيجة من حقائق معينة، والقدرة على إدراك صحة النتيجة أو خطئها، مما يساعده أيضا على تقويم الحجج التي هي قدرة الفرد على تقويم الفكرة وقبولها أو رفضها، والتمييز بين المصادر الأساسية والثانوية وبهذا يمكنه أن يلج باب المنطق، والذي يهتم بتنظيم الأفكار وتسلسلها وترابطها ليؤدي إلى معان واضحة ونتيجة مترتبة على حجج معقولة مستعينا بالعمق وهو عدم السطحية في معالجة الظاهرة، ويجب أن تعالج بعمق كبير من التفكير والتفسير، حتى يكون التفكير مناسبا للتعقيد والتشعب من مجرد السطحية في المعالجة.

أما الاتساع فهو يعني تناول عناصر المشكلة من جميع الأطراف وكذلك للاطلاع على جميع وجهات النظر، والآراء وحل المشكلة من جميع الأطراف.

سنلاحظ في مستقبلنا العلمي انعكاس دراسة الفلسفة، التي تجعل الفرد بجميع مراحله العلمية أكثر وضوحا ومنطقية في التعامل مع المشكلة وحلها، وتسهم في القدرة العالية على الاستيعاب وتجنب الوقوع في الأخطاء واستنباط الحكم، وتساعد على اتخاذ القرارات السليمة التي تدعم بناء الشخصية وتحديد وجهات تأثيرها على معرفة الحقيقة بالحياة.