محي عبدالله القرني

رعب الغمامة السوداء

السبت - 26 نوفمبر 2022

Sat - 26 Nov 2022

الساعة الثانية وسبعة وعشرون دقيقة بعد ظهر الخميس 24 نوفمبر 2022، زمن الدخول عبر بوابة الرعب، الظلام دامس والبرق يكاد يخطف الأنفاس قبل الأبصار، الرؤية منعدمة والرياح عاتية والخوف أحاط بكل شيء، السير إلى المجهول عنوان الرحلة والتراجع إلى الخلف أمنية، ولكن هيهات هيهات أشبه بالمستحيل لا تدري ما يخفيه القدر بعد متر أمامك وما تتنبأ بما يحدث عن يمينك خلال الثواني المقبلة، الزمن يتباطأ وعجلة الوقت لا تتحرك، الصمت ودع الكلام والهلع اقتلع جذور نبض الارتياح والنظر إلى وجه صديقي بعيون جامدة لا تفسره عشرات بل مئات الأفلام الوثائقية، السكون الذي يرى النهاية يحاول أن يستفيق ليكتب بقلم الضباب على زجاج المركبة وصية ما قبل الرحيل ولكن العجز يلقي بظلاله على أنامل الوهن، عم السواد لوحة الوجود وأصبح التهليل والتسبيح والتحميد والدعاء هو طوق النجاة الوحيد الحاضر، وهو العون بعد الله في السراء والضراء.

العيون التصقت بماسح الزجاج الذي أعلن استسلامه، والجسد احتضن الديكور الأمامي لعله يرى ومض الأفق يلوح مجددا، نسير إلى الأمام ببطء وهو أشبه بمن يسوق الروح إلى الانتحار ولكن هذا الخيار الوحيد، فما حولك مفتوح قد يأتيك الطوفان من أي مكان، الكل يحاول النجاة ويتشبث بما بقي من أمل في الحياة، ونحن نصارع الحدث وبلغ التركيز أعلاه إلا بالمركبة تتحرك بشدة من أثر الاصطدام من الخلف ولكن لا مجال للوقوف فهو محال، فما تواجهه أعظم من الخصام وما تعيشه أبعد عن الانتقام وما أنت فيه لا يمنحك حتى التفكير في نجم وصياغة قوى حجج التعويض.

وما إن مرت ساعة إلا برحمة الله وعطفه تنزل على المكان، وبدأ الضباب يتبدد شيئا فشيئا فترى المركبات صرعى عن اليمين واليسار، والكثير منها تحولت إلى قوارب عائمة عبر خط سير مجهول كقطع الألواح المتناثرة، ولسان الحال واليقين يقول هذه أقدار الله لا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه.

العيش على الخط الفاصل بين الغرق والنجاة رواية يصعب كتابة فصولها، وقصة من المستحيل شرح تفاصيلها وأحداث لا يمكن نسيانها.

وما إن أشرقت الأرض بنور ربها واستفاق العقل من غيبوبة الصدمة ورجع النبض إلى موطنه، حتى بدأت مرحلة توثيق ما وراء الحدث من زوايا متفرقة وبأبعاد مختلفة وبنوايا وأهداف متعددة.

طريق (جدة - الليث) وبالتحديد جنوب جدة بـ100 كلم كان الحاضن للحدث وشاهدا على ما جرى، وآلة تسجيل لذاكرة الزمن ودليلا دامغا على عجز وضعف وقلة حيلة البشر، هذه آية من آيات الله تدل على عظمته وقدرته سبحانه، ثوان معدودة قد يغير الله الوضع من حال إلى حال.

يا من تعيش في غياهب جب القنوط والعبوس من حادثة آلمت بك، أو ضائقة رمتك بسهامها، أو مرض تربص بجسدك، فما أبعده الله عنك كان أعظم وفرج الله منك قريب، ويا من تتعالى بمالك وجاهك وقوتك ومنصبك أعد النظر إلى ذاتك كرتين فما ذلك إلا ظل غمامة ودوام الحال من المحال.

إلى هنا ينتهي الكلام، وما زالت المشاهد تتجاوز حدود الوصف ويبقى قصور تجميع الصور من داخل أجزاء الثواني حقيقة عجز مؤلمة.. الحمد لله حمدا يليق بجلاله وعظيم سلطانه، لا إله إلا الله عليه نتوكل وبه نستعين.