هبة قاضي

صدمة فكرية بالكرة السعودية

الأربعاء - 23 نوفمبر 2022

Wed - 23 Nov 2022

(كل متوقع آت) هذا ما بررت به لزملائي في العمل توقعي بنتيجة اثنين صفر لصالح المنتخب السعودي ردا على لعبة التوقعات التي كانت جزءا من نشاط مشاهدة مباراة السعودية والأرجنتين خلال حدث كأس العالم.

هي مقولة منسوبة لسيدنا علي بن أبي طالب الذي هو رمز الحكمة في ثقافتنا الإسلامية، والتي لطالما رافقتني في حياتي وتقلدتها في كثير من المواقف والمنعطفات في حياتي بكل إيمان وصدق مواجهة بها التوقعات المنطقية والأسباب الواقعية ومتغلبة بها على الشك والمخاوف ومقوية للثقة والشجاعة.

فاتني الشوط الأول حيث كنت في طريقي للمنزل من العمل، وحين انضممت للعائلة قد انقضى جزء من الشوط الثاني وتم تسجيل الهدفين الجوهريين من قبل المنتخب السعودي.

كنت مؤمنة بالفوز إيمانا مطلقا ورغم انفعالي الجماعي وشد الأعصاب الذي رافق باقي المباراة والدقائق تمط نفسها مطا ما بين أوقات مستقطعة وإصابات وكروت صفراء تتطاير ذات اليمين وذات الشمال، والتي تحاكي الحياة وأنت تكاد تصل لهدفك ومبتغاك وهي تلقي لك بالعقبات وتضع أمامك المطبات ممتحنة إرادتك وصبرك وصدق رغبتك، حتى تفرج الحلقة وينال المبتغى وتصفر الصافرة معلنة نهاية المباراة وفوزا تاريخيا للمنتخب السعودي على المنتخب الأرجنتيني في سابقة تاريخية ستغير رمزيتها مسار فكر التفوق والأسبقية في العالم للأبد.

نعم لم تكن مجرد مباراة كرة قدم، بل كانت ملحمة تاريخية ما بين فريق مدعم بتاريخ طويل من الفوز يقوده لاعب عالمي الأداء ومحبوب للجماهير، وفريق صاعد بتاريخ من الإنجازات حدودها آسيا وتوقعات عالمية بالخسارة.

كانت مباراة ما بين ترتيبات مسبقة على تقسيم القوي والضعيف، والقائد والمنفذ، والمسيطر والتابع. كانت مباراة ما بين فكر النصر وفكر الهزيمة، وفكر الفوقية وفكر التحتية.

نعم كانت مجرد مباراة كرة قدم في ظاهرها ولكن رمزيتها كانت أشد عمقا وأبلغ أثرا وأوسع تأثيرا في تغيير الصور النمطية والاعتقادات الضمنية عن تفوق شعوب على شعوب، ومكانة دول على دول، وهيمنة ثقافات على ثقافات أخرى، لذا رأيت ليس فقط العرب والمسلمين يفرحون معنا، بل رأيت جميع من صنف دول عالم ثالث يفرحون معنا، بل ومواطني دول مصنفة عالم أول تفرح معنا، لأننا أعطيناهم الأمل، الأمل في الفوز والعزة والنجاح والاعتلاء مهما كان الجنس أو العرق، ومهما كانت البقعة من أرض الله، وأن حق الفوز مكفول لكل مجتهد، لكل مثابر، نعم ليس حكرا على أحد مهما طال أمد فوزه ومهما أوهمك أنك عاجز وغير قادر.

نعم الفوز فكر والهزيمة فكر، وفوز المنتخب السعودي على منتخب الأرجنتين غير للأبد موازين فكر الهزيمة والنصر في العالم.

لم يكن فوز المنتخب السعودي صدفة، نعم كان توفيق الله فوق كل شيء ولكن السعي والتغيير من الداخل أعان ومكن استحقاق النصر والفتح.

رؤية طموحة تطلعنا معها لمستقبل واعد وجعلتنا نستعيد الثقة في قدراتنا وفكرنا وشخوصنا، وإصلاحات اجتماعية منحتنا عدالة الحق وطمأنينة العيش والولاء المطلق للوطن والمواطنة، وقيادة فذة، طموحة وذات فكر متفرد، فتحت لنا الآفاق ووضعتنا في مواجهة العالم ندا بند اقتصاديا وعلميا وإنسانيا.

دولة شقيقة امتلكت الجرأة على المطالبة بالاستضافة ونالتها ثم أبدعت وتفوقت فيها مع نموذج كان درسا للعالم كله في وضع الحدود وفرض الهوية والثقافة ودحض وهم التعالي الغربي وفرضه لثقافته، وإخراج نموذج إبداعي عالمي بنكهة شرقية، عربية هوية وصفة ودينا والذي في جوهره نموذج احتوائي لكل شعوب العالم وأعراقه.

والأهم من كل ذلك خطاب ملهم تحفيزي محب من قائد ملهم وولي عهد همام، وفر لفريقه كل الأسباب ثم جلس إليهم مبتسما، محتويا ليقول لهم أن يلعبوا بلا ضغوط، أن يستمتعوا باللعبة، موصلا لهم ضمنيا أنكم أنتم الأهم، أنتم الغاية لا الوسيلة، فأطلق فيهم حب النجاح بدلا من الخوف من الفشل، والرغبة في الإنجاز ولاء واعتزازا للوطن، فلعبوا لعب الأسود، وفازوا فوزا كل العالم عليه شهود.