الاتفاق النووي الإيراني وغطاء حقوق الإنسان
الأربعاء - 23 نوفمبر 2022
Wed - 23 Nov 2022
الشواهد جميعها تقول إن الاتفاق النووي الإيراني قد دخل منذ فترة ليست قصيرة في حالة موت أكلينيكي، وإن إحياءه بات مسألة مستبعدة، سواء بسبب الخلاف المستمر حول بعض البنود، أو في ظل تصاعد التوتر في العلاقات بين طهران والعواصم الغربية على خلفية اتهامات إيرانية بدعم الاحتجاجات الشعبية المتفاقمة في البلاد.
التوتر الأخير في العلاقات الإيرانية - الغربية يمثل القشة التي قصمت ظهر البعير في مسألة إحياء الملف النووي الإيراني، ولكنه يمثل - برأيي - طوق الإنقاذ أو المخرج الذي يناسب الطرفين لوضع الاتفاق في نفق التبريد من دون تحمل مسؤولية الفشل في إحيائه.
قبل الاحتجاجات الأخيرة كان متوقعا، أن يتبادل الطرفان، الإيراني والأمريكي، الاتهامات بشأن المسؤولية عن فشل جهود إحياء الاتفاق النووي، كما تتحمل الوساطة الأوروبية جانبا مهما من المسؤولية عن إخفاق الاتفاق رغم البدائل والحلول والجهود المكثفة التي بذلتها.
لم تكن الاحتجاجات برأيي سوى غطاء ضمني يمكن الإشارة إليه عند البحث عن مبررات لفشل جهود إحياء الاتفاق النووي، ولكنها لم تكن العامل الوحيد الذي عجّل بتجميد المفاوضات، بل هناك أيضا دعم إيران لروسيا بالمسّيرات التي تستخدم في توجيه ضربات عسكرية مكثفة للبنى التحتية الأوكرانية، حيث تسبب هذا الدعم في إثارة غضب الدول الغربية، التي كانت تراهن حتى اللحظات الأخيرة على رفع العقوبات المفروضة على النفط الإيراني كي يمكن تهدئة أسعار الطاقة.
فشل الرهانات الأوروبية تحديدا على استخدام موارد الطاقة الإيرانية، الغاز والنفط، في تعويض جزء من نقص الإمدادات الروسية لأوروبا، أو في تهدئة الأسواق العالمية بشكل عام، أسفر عن تحول نوعي كبير في الموقف الأوروبي تجاه إيران، حيث أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرا بأن من الصعب جدا على الغرب إحداث تقدم في محادثات الاتفاق النووي في ظل الاحتجاجات المستمرة في إيران والاعتقالات الجماعية للمتظاهرين، مخالفا بذلك النهج الفرنسي - الأوروبي الذي كان يتمسك حتى أسابيع قلائل مضت بالفصل بين الملف النووي ومسألة حقوق الإنسان في إيران، ولكن يبدو أن تدخل إيران في الحرب الروسية - الأوكرانية قد قطع الشعرة الأخيرة في الموقف الغربي ودفع عواصم «الأطلسي» للإقرار بشكل شبه ضمني بفشل مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، والاندفاع في اتجاه معاكس تماما، ويلاحظ هنا أن الرئيس الفرنسي قد استخدم مؤخرا، للمرة الأولى - غربيا - مفهوم الثورة للتعبير عما يحدث في إيران حيث قال «يحدث أمر غير مسبوق، فأحفاد الثورة (الإيرانية) يقومون بثورة أخرى».
ماكرون لم يقر - في إطار التصريحات ذاتها - علنا بتلاشي الأمل في مفاوضات الاتفاق النووي كي لا يتحمل الغرب مسؤولية الفشل، خصوصا أنه يدرك تماما حجم الغضب الإيراني مما يوصف بالدعم الغربي للاحتجاجات وبالتالي صعوبة عودة طهران لمائدة التفاوض خلال المدى المنظور، وحاول إمساك العصا من المنتصف حين ذكر أنه يعتزم مواصلة حواره مع طهران، والدفع باتجاه عقد اجتماع إقليمي بنهاية العام على أمل إيجاد إطار أوسع للمحادثات النووية، ولكنه قال في الوقت ذاته، إنه مع تطور الأمور بالنسبة للاحتجاجات سيتم النظر في إدراج الحرس الثوري الإيراني في قوائم الإرهاب، وفيما يتعلق بالملف النووي قال «إن هذه الثورة تغير الكثير من الأشياء ولا أعتقد أنه سيكون هناك مقترحات جديدة»، وهو ما يعني أن هناك دفعا أوروبيا باتجاه دعم الاحتجاجات حتى إطاحة النظام الإيراني أو إضعافه على الأقل، وأنه حتى لو فشل المحتجون في ذلك فإنه «لا مقترحات جديدة يمكن تقديمها» لإحياء الاتفاق، ما يعني إقرارا ضمنيا بنهاية الجهود التفاوضية ودخولها إلى نفق مسدود.
من المعروف أن فرنسا كانت تلعب دورا حيويا في تقريب وجهات النظر بين واشنطن وطهران سعيا لإحياء الاتفاق النووي، ولكن الحاصل أن فرنسا باتت تتصدر أيضا الجهود الأوروبية لفرض عقوبات ضد طهران بسبب «القمع الوحشي» للاحتجاجات الشعبية الإيرانية، وازداد الأمر تأزما بين طهران وباريس على خلفية مزاعم إيرانية باعتقال ضباط مخابرات فرنسيين وسط المحتجين الإيرانيين.
الأغلب أن جزءا كبيرا من الغضب الغربي حيال النظام الإيراني ناجم عن تدخل إيران في الحرب الأوكرانية من خلال تقديم مسّيرات لروسيا، حيث قضى السلوك الإيراني على البقية الباقية من التريث الغربي في التعامل مع التشدد الإيراني في مفاوضات الاتفاق النووي، التي فشلت فعليا من قبل اندلاع الاحتجاجات الشعبية الإيرانية.
والأرجح أن العلاقات الإيرانية - الغربية قد دخلت نفق التوتر المتزايد خلال الآونة الأخيرة وستبقى كذلك لفترة غير معلومة في ظل التغيرات المتسارعة في العلاقات الدولية، ما لم تتراجع طهران عن تصعيد خطابها السياسي ضد الغرب، أو تبذل العواصم الأوروبية جهودا من وراء الكواليس لتبريد الأزمة وتهدئة الأجواء بحثا عن مخارج من أزمة الملف النووي الإيراني.
drsalemalketbi@
التوتر الأخير في العلاقات الإيرانية - الغربية يمثل القشة التي قصمت ظهر البعير في مسألة إحياء الملف النووي الإيراني، ولكنه يمثل - برأيي - طوق الإنقاذ أو المخرج الذي يناسب الطرفين لوضع الاتفاق في نفق التبريد من دون تحمل مسؤولية الفشل في إحيائه.
قبل الاحتجاجات الأخيرة كان متوقعا، أن يتبادل الطرفان، الإيراني والأمريكي، الاتهامات بشأن المسؤولية عن فشل جهود إحياء الاتفاق النووي، كما تتحمل الوساطة الأوروبية جانبا مهما من المسؤولية عن إخفاق الاتفاق رغم البدائل والحلول والجهود المكثفة التي بذلتها.
لم تكن الاحتجاجات برأيي سوى غطاء ضمني يمكن الإشارة إليه عند البحث عن مبررات لفشل جهود إحياء الاتفاق النووي، ولكنها لم تكن العامل الوحيد الذي عجّل بتجميد المفاوضات، بل هناك أيضا دعم إيران لروسيا بالمسّيرات التي تستخدم في توجيه ضربات عسكرية مكثفة للبنى التحتية الأوكرانية، حيث تسبب هذا الدعم في إثارة غضب الدول الغربية، التي كانت تراهن حتى اللحظات الأخيرة على رفع العقوبات المفروضة على النفط الإيراني كي يمكن تهدئة أسعار الطاقة.
فشل الرهانات الأوروبية تحديدا على استخدام موارد الطاقة الإيرانية، الغاز والنفط، في تعويض جزء من نقص الإمدادات الروسية لأوروبا، أو في تهدئة الأسواق العالمية بشكل عام، أسفر عن تحول نوعي كبير في الموقف الأوروبي تجاه إيران، حيث أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرا بأن من الصعب جدا على الغرب إحداث تقدم في محادثات الاتفاق النووي في ظل الاحتجاجات المستمرة في إيران والاعتقالات الجماعية للمتظاهرين، مخالفا بذلك النهج الفرنسي - الأوروبي الذي كان يتمسك حتى أسابيع قلائل مضت بالفصل بين الملف النووي ومسألة حقوق الإنسان في إيران، ولكن يبدو أن تدخل إيران في الحرب الروسية - الأوكرانية قد قطع الشعرة الأخيرة في الموقف الغربي ودفع عواصم «الأطلسي» للإقرار بشكل شبه ضمني بفشل مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، والاندفاع في اتجاه معاكس تماما، ويلاحظ هنا أن الرئيس الفرنسي قد استخدم مؤخرا، للمرة الأولى - غربيا - مفهوم الثورة للتعبير عما يحدث في إيران حيث قال «يحدث أمر غير مسبوق، فأحفاد الثورة (الإيرانية) يقومون بثورة أخرى».
ماكرون لم يقر - في إطار التصريحات ذاتها - علنا بتلاشي الأمل في مفاوضات الاتفاق النووي كي لا يتحمل الغرب مسؤولية الفشل، خصوصا أنه يدرك تماما حجم الغضب الإيراني مما يوصف بالدعم الغربي للاحتجاجات وبالتالي صعوبة عودة طهران لمائدة التفاوض خلال المدى المنظور، وحاول إمساك العصا من المنتصف حين ذكر أنه يعتزم مواصلة حواره مع طهران، والدفع باتجاه عقد اجتماع إقليمي بنهاية العام على أمل إيجاد إطار أوسع للمحادثات النووية، ولكنه قال في الوقت ذاته، إنه مع تطور الأمور بالنسبة للاحتجاجات سيتم النظر في إدراج الحرس الثوري الإيراني في قوائم الإرهاب، وفيما يتعلق بالملف النووي قال «إن هذه الثورة تغير الكثير من الأشياء ولا أعتقد أنه سيكون هناك مقترحات جديدة»، وهو ما يعني أن هناك دفعا أوروبيا باتجاه دعم الاحتجاجات حتى إطاحة النظام الإيراني أو إضعافه على الأقل، وأنه حتى لو فشل المحتجون في ذلك فإنه «لا مقترحات جديدة يمكن تقديمها» لإحياء الاتفاق، ما يعني إقرارا ضمنيا بنهاية الجهود التفاوضية ودخولها إلى نفق مسدود.
من المعروف أن فرنسا كانت تلعب دورا حيويا في تقريب وجهات النظر بين واشنطن وطهران سعيا لإحياء الاتفاق النووي، ولكن الحاصل أن فرنسا باتت تتصدر أيضا الجهود الأوروبية لفرض عقوبات ضد طهران بسبب «القمع الوحشي» للاحتجاجات الشعبية الإيرانية، وازداد الأمر تأزما بين طهران وباريس على خلفية مزاعم إيرانية باعتقال ضباط مخابرات فرنسيين وسط المحتجين الإيرانيين.
الأغلب أن جزءا كبيرا من الغضب الغربي حيال النظام الإيراني ناجم عن تدخل إيران في الحرب الأوكرانية من خلال تقديم مسّيرات لروسيا، حيث قضى السلوك الإيراني على البقية الباقية من التريث الغربي في التعامل مع التشدد الإيراني في مفاوضات الاتفاق النووي، التي فشلت فعليا من قبل اندلاع الاحتجاجات الشعبية الإيرانية.
والأرجح أن العلاقات الإيرانية - الغربية قد دخلت نفق التوتر المتزايد خلال الآونة الأخيرة وستبقى كذلك لفترة غير معلومة في ظل التغيرات المتسارعة في العلاقات الدولية، ما لم تتراجع طهران عن تصعيد خطابها السياسي ضد الغرب، أو تبذل العواصم الأوروبية جهودا من وراء الكواليس لتبريد الأزمة وتهدئة الأجواء بحثا عن مخارج من أزمة الملف النووي الإيراني.
drsalemalketbi@