شاهر النهاري

يحصون الهباء وينفخون الرماد

الاثنين - 21 نوفمبر 2022

Mon - 21 Nov 2022

لا ندري هل نحتفل ببلوغ البشرية ثمانية مليارات، أم نحزن؟!، فالتسارع مريع، والمتضررون من ذلك بشر منا، يختنقون ويسحقهم زحام وتنافس، ومجاعات عالمية، متزامنة مع جفاف وتغيرات بيئية، وطقس محتضر بما ينبعث على وجه الأرض من مخلفات أحفورية وصناعية تقتل الأخضر واليابس.

الغذاء ظل هاجس البشرية الشاغل طوال عيشهم، وكانت زراعته وتخزينه وتصنيعه وتوزيعه بدائية، ومع تزايد العلم وتقدم التقنيات، تطورت عمليات إنتاجه وتدويره، ولكنها ظلت مرتبطة بالسياسة، التي لم تكن تأبه بعدالة، فيتم إعدام الكثير منه للمحافظة على الأسعار، مع توالي مجاعات تقتل الملايين، ممن يلتجئون بالتكاثر، لتعطيل فنائهم، وبأي حال كان ضعفهم وجهلهم ومرضهم وخوفهم وجوعهم.

السلاح منذ البدايات كان وسيلة البشر، ليمتلكوا بعض الطمأنينة، بين تنافس المتحاربين، وشحذ وتسخير الخبث والإمكانيات لمزيد من التحكم والقوة، وتعظيم مخزون الأسلحة سيطرة واستعدادا لما قد يأتي.

كان الإنسان وما يزال يقسم عقله وجهده وإمكانياته بين تأمين غذائه وتعظيم سلاحه، نتيجة عدم شعوره بالأمان، سواء كان منفردا في جزيرة منعزلة، أو وسط أعراق متكدسة بمدن زجاجية خانقة.

الجميع يخشون على أنفسهم وممتلكاتهم وذرياتهم، فيظلون بأسلحتهم الفردية، أو جيوشهم، أو أحلافهم الكبيرة متأهبين ليوم ضروس لا يترك إلا الرماد.

تعداد البشرية تدرج من تجمعات بدائية تخطت الصعوبات، والجهل، والمجاعات، ومواجهة كوارث الطبيعة، والحيوانات المفترسة والقاتلة، وعبرت الأزمات البيئية، والجوائح والأمراض، وعانت من الحروب المهلكة، ورغم كل ذلك بلغ تعدادها بنهاية القرن الثامن عشر مليارا من البشر، وفي زماننا وبعد حوالي قرنين من الزمان بلغت ثمانية مليارات، في أسرع وأخطر تزايد بشري يكتل صعوبات العيش، ومع التقدم الشنيع في صناعات الأسلحة الفتاكة المتكتلة، دليلا على تعاظم خوف الأثرياء، رغم الترقي، واعتقاد الضعفاء أن هباء الذرية وسيلتهم للبقاء.

تخمينات ودراسات مستقبلية، تؤكد أن الزيادة البشرية ستبلغ العشرة مليارات خلال ستين سنة، ثم تتناقص بعدها.

الصين ستنكمش للنصف، ودول غنية مثل أمريكا ستضاعف أعدادها، ودول فقيرة فاقدة للسيطرة مثل الكونغو ومصر وإثيوبيا والهند ونيجيريا وباكستان والفلبين وتنزانيا، ستجعل الهباء يتضخم معظما من المأساة.

وتلك دراسات وإحصائيات نظرية قد تتحقق، وقد تميل أو تنتكس، حال تدخلت عوامل مستجدة لم تكن بالمنظور، ومن أهمها جنون زعامات ومسيري السياسات القادمة، وما يمكن أن يستخدم فيها من أسلحة دمار شامل، ومن نقص كارثي في الغذاء، يحكمه الطمع وإرادة السيطرة لدى دولا مستعمرة، وما هو متوقع من زيادة التصحر، وشح المياه، وارتفاع درجات الحرارة عالميا، وتعاظم تلوث الأرض والبحر والجو.

عوامل موت يظل عنصرها الأساسي الإنسان، وكم يتضاعف سوؤها بانفلات الغرور وجنون الطمع والظلم، وابتكار أسلحة ربما نجد النووي عندها بدائي!

الإنسان أسوأ كارثة حصلت للكرة الأرضية، وهو جائحة غباء وغرور كوني، فلا يمكن التنبؤ بتقلبات جنون مطامعه وصناعاته، وتخيلاته، وأفكاره بأنانية وعنصرية وعنف وضيق أفق يزكي نجاة القادر، ويسحق وجود الغافل الضعيف.

للأسف تلك حقيقتنا البشرية التعيسة العنيفة المنتهية بهباء التكاثر، على حساب الضعفاء منا، وعلى فناء مختلف أجناس ومكونات الحياة، بطمع وغرور بشري، وتحايل، ومؤامرات وخيانات، واستهانة بكل منطق وعقلانية ورغبة سلام، مهما تلبسنا بعكس ذلك نفاقا.

shaheralnahari@