صالح العنزي

الثقافة تلتهم كل شيء

السبت - 19 نوفمبر 2022

Sat - 19 Nov 2022

يقول عالم الإدارة الكبير بيتر دراكر Peter Drucker في حديثه عن الثقافة في المنظمات: «الثقافة تلتهم الاستراتيجية في فطور الصباح»، في حديثه عن الثقافة التنظيمية ودورها في التأثير على كل ما يقوم به قائد المنظمة من تخطيط ورسم رؤى مستقبلية وبناء استراتيجيات.

وتأخذ الثقافة أهمية كبيرة في تطور واستمرار المنظمات؛ لأن أثرها يتجاوز المنظمات وأفرادها بشكل أوسع بتأثيره على المجتمع وتطوره ولبنته الأساسية الأسرة، حيث يكون التفاعل متبادلا يؤثر ويتأثر أحدهما بثقافة الآخر.

الثقافة بمفهومها الواسع، هي كل ما يتصل بالبشر؛ بما يحملون من معتقدات وقيم وعادات وتقاليد وأعراف، وهدف ذلك كله التكيف والتعامل مع المؤثرات الداخلية والخارجية في حياتهم.

وهي مفهوم معقد ويصعب تفسيره إلا في سياقاته وظروفه التي كونته، ولكونها غاية في التعقيد تؤثر بشكل أو بآخر في إحداث أي تغيير على المستوى الفردي للشخص أو المجتمع أو المنظمات، وكي يحدث ذلك التغيير التأثير الإيجابي يجب أن تدرس ثقافة ذلك المجتمع أو أفراد تلك المنظمة جيدا، خلال دراسة خصائص تلك الثقافة وكيف تكونت وما جوانب القوة والضعف فيها.

عندما يبدأ القائد في المنظمة برسم استراتيجية جديدة للتغير والتطوير فيها، إن لم يأخذ في الاعتبار الثقافة التنظيمية السائدة في المنظمة وما يحمله أفرادها من قيم وعادات وتقاليد وأعراف في الحسبان، فإنه سيصدم بواقع يهدد تلك الاستراتيجية وخطة التغيير مهما كانت جيدة، وقد تختلف الثقافة التنظيمية من منظمة لمنظمة ومن بيئة عمل لأخرى، وتؤثر قوة ورسوخ الثقافة لدى أفراد المنظمة في إمكانية القدرة على تغييرها أو تعديلها؛ إذ إن الثقافة القوية يصعب تغييرها بينما الضعيفة يسهل التأثير عليها.

وكي يحدث التغيير المأمول في المنظمة يتوجب على القائد عندما يخطط أن يهتم بدراسة مكونات الثقافة التنظيمية بعمق، لفهمها أولا ولتغيير ما يريد تغييره والاستفادة مما يريد الاستفادة منها ثانيا، وعند التهيئة لتطبيق الاستراتيجية يتعين على القائد أن يراعي الآتي:

1 - أن يتبنى قائد المنظمة السلوكيات المأمولة، خلال تمثل القيم المطلوب إحداثها حيث يقتدي الموظف بسلوك قائده الذي يراه أمامه قبل توجيهاته وحديثه.

2 - استخدام أحد نماذج التغيير التي تراعي جوانب ثقافة المنظمة، وأن تكون أولى خطواته بناء فريق مميز يؤمن بأهمية التغيير وتأهيله التأهيل المناسب.

3 - إحداث تغيير في رؤية وشعار المنظمة بمشاركة أفرادها لتحل محل النموذج القديم.

4 - اختيار الخطة التشغيلية المناسبة لنشر القيم والمثل التي يراد تغييرها والعمل وفقها.

5 - تعديل وتغيير النظام القديم للمكافآت وتحفيز الموظفين لقبول القيم الجديدة، خلال الحوافز المميزة لمن يواكب ذلك التغيير ويحدث أثرا مميزا.

6 - معالجة مقاومة التغيير والتي قد تحمله ثقافات فرعية، يمكن أن تؤثر في الثقافة الرئيسة المراد إحلالها، بأن تكون لدى القائد قدرة على ضبط وإدارة الصراع التنظيمي في المنظمة خلال خطوات إدارة الصراع حسب المواقف.

7 - الاحتفاء بالإنجازات الصغيرة وأصحابها، بحيث يشعروا بقيمة التغيير ويواصلوا تحقيقهم الأهداف.

8 - أن تراعي المنظمة أثر الثقافة الممتد على حياة الموظف الخاصة وعائلته، بأخذ العوامل المحفزة له في عين الاعتبار، والتي تعزز شعور الموظف بالانتماء للمنظمة واعتباره جزءا منها.

على القائد الذكي أن يأخذ في حسبانه الثقافة التنظيمية للمنظمة، وأن يعلم أنه ليس من السهولة تغيير الثقافة التنظيمية، حيث يتطلب ذلك كثيرا من الجهد والصبر والحكمة والتخطيط الجيد قبل وضع الرؤى والأهداف، وأن يعلم أنه بدون وضعها في قائمة القضايا عند بناء استراتيجيته، فإنه لن يحقق النجاح المطلوب وسيقع في تحديات كبيرة، كان بالإمكان التغلب عليها لو درس الثقافة التنظيمية بشكل جيد، وأعد خطة التغيير وفق مكونات تلك الثقافة.

salehsalmanalen@