زيد الفضيل

كأس العالم وقانون الذوق الإنساني

السبت - 19 نوفمبر 2022

Sat - 19 Nov 2022

تنطلق مساء اليوم 20 نوفمبر 2022 صافرة البدء لأحد أكبر المهرجانات متابعة بين الشعوب، إذ حظيت لعبة كرة القدم بشعبية كبيرة في كل أقطار الأرض، وصار الناس على مختلف أعمارهم وتوجهاتهم ينتظرون إقامة البطولة الكبرى بشغف، ليتابعوا منتخباتهم والمنتخبات التي أحبوا تشجيعها.

وكم نحن فخورون بإقامتها في هذه الدورة على أرض خليجية عربية، وهو ما يعني أن جموعا كبيرة من المشجعين قد توافدوا على أرض الخليج العربية، ودولة قطر تحديدا لمتابعة الفعالية، مما يجعلنا على تماس مباشر مع كثير من سلوكيات المشجعين والإعلاميين التي يمكن ضبطها ومحاكمتها إعلاميا بقانون «الذوق».

دل معنى «ذوق» على أنه: آداب السلوك التي تقتضي معرفة ما هو لائق أو مناسب في موقف اجتماعي معين، وهو ناتج عن مجموعة تجارب الإنسان التي يفسر على ضوئها ما يحسه أو يدركه من الأشياء.

وبالتالي فيختلف مفهوم الذوق هنا باختلاف طبيعة المجتمع الذي يعيش فيه المرء، من حيث الطباع والسلوك والعادات والتقاليد. على أن تلك الاختلافات الحسية تكاد تتلاشى في إطار الذوق المعنوي القائم على مفاهيم السلوك الأخلاقي المتفق عليها إنسانيا، كاحترام الكبير ورحمة الصغير والمحافظة على القيم الجمالية، وغير ذلك مما تتفق عليه الذائقة الإنسانية بوجه عام، ودون النظر إلى لون أو عرق أو دين.

لكن وعلى الرغم من ذلك، فإن الشعوب تتمايز في التطبيق بمقدار وعيها وحجم معرفتها، وهو ما يمكن أن نلمسه واقعا حين نقارن بيئة حضارية بأخرى.

في هذا الإطار يمكن القول: إن عمق المعرفة بالشيء وبروح فلسفية أيضا، هو ما يعكس درجة وحجم الذوق في سلوك المرء والمجتمع، إذ كلما ازداد وعي المرء، كلما زادت مساحة الجمال في داخله، فالجمال قبل أن يكون صورة هو إحساس مركب في جوف المرء، يشكل ملامحه الوعي الذهني والسمو الروحي، وهو مؤشر لارتفاع نسبة الذوق في كيان أي مجتمع على الصعيد الحياتي والسلوكي.

ولا أقصد هنا المدلول المباشر لمفهوم المعرفة الدال على العلم بالشيء، الذي تتمثل ملامحه في تلاشي الأمية الكتابية والقرائية بوجه عام، وإنما أعني مضامينها الفلسفية الكامنة في جوهر دلالاتها الأخلاقية بشكل أدق، التي من شأنها أن تنعكس إيجابا على كثير من السلوك العام في أي مجتمع.

ذلك أنه ورغم تناقص حالة الأمية الكتابية والقرائية في بعض المجتمعات، لكن ذلك لم يغير شيئا من تصرفات عدد من أفرادهم، فلم يمنعهم ذلك من رمي المخلفات في الطريق العام، ولم تحد من كثير من مسلكياتهم البعيدة عن مراعاة ما يعرف بالذوق العام، بل الأدهى والأمر أن تصدر تلك المسلكيات من أناس قد حصلوا على درجات متقدمة في التعليم.

لذلك نجد أن عددا من متأملي الحكمة قد نصوا على واجب التفريق بين مفهومي «علم» و»عرف»، إذ العلم في نظرهم كامن في إدراك الضوابط العلمية للأشياء، فواحد زائد واحد لن يكون في نظرهم إلا اثنين، أما المعرفة فهي التبحر في جوهر تلك الضوابط ومعرفة كنهها ودلالاتها، ولهذا يمكن أن يكون الناتج لديهم اثنين أو أكثر، على اعتبار أن القيمة تكمن أساسا في مدى تحقيق المضمون الحضاري الإنساني، وهو شعور ذوقي قبل أن يكون شعورا علميا.

أمام ذلك، أخشى أن تكون أغلب الشعوب الإنسانية قد باتت فاقدة للحس المعرفي، وصارت سلوكياتها ميالة إلى الفوضى واللامبالاة، بل وأصبحت بعيدة عن كل سلوك ذوقي، وهو ما يمكن قياسه عبر ذائقتها الثقافية بمختلف إطاراتها سواء في الأدب أو الفنون المسرحية والموسيقية، وصولا إلى الشكل الهندسي المعماري العام.

أشير في هذا الصدد إلى أن صناع الإعلان قد عمدوا إلى إعلاء مفاهيم ذوقية خاصة بهم، تتناسب مع طبيعة منتوجهم الصناعي، وعملوا على تزكيتها بشتى السبل، بل وعملوا على تغيير شكل وملامح الذائقة الجمالية في نفوس متابعيهم، وصناعة ذائقة جديدة مشوهة، مستفيدين من حالة تفريط المجتمعات المهولة بحقها الواجب في تنمية وعيها المعرفي.

أختم برجاء، أن تقوم دولة قطر وبالشراكة مع (فيفا) بإعلان عدد من مؤشرات الذوق الإنساني، كاحترام الكبير ورحمة الصغير والمحافظة على القيم الجمالية، علاوة على احترام الخصوصيات الثقافية والدينية، وغير ذلك مما تتفق عليه الذائقة الإنسانية، وجعلها ميزانا تنافسيا حاكما بين مختلف الجماهير، بحيث تعلن في نهاية الفعالية نتيجة أفضل جمهور التزم بمفاهيم ومعايير الذائقة الإنسانية. وليكن ذلك مبتدؤه في دولة قطر. مقترح أضعه بيد مسؤولي الفاعلية برجاء تنفيذه.

zash113@